ما من شك بأن جزءً كبيرا من الخراب الذي حل بتونس بعد أكتوبر 2011 يتحمل مسؤوليته الإسلاميون بمختلف تعبيراتهم: الانتخابية ممثلة في حركة النهضة او الجهادية (أنصار الشريعة) او الدعوية (حزب التحرير)…والقسم الأكبر تتحمله حركة النهضة بسبب هوسها بالحكم والسيطرة على الدولة الى اليوم بشهادة من عمل معها ودافع عنها مثل محمد عبو ولياس الفخفاخ…
بقلم عادل اللطيفي *
غير أن القول بأن هذه الظاهرة المرضية فرضتها قوى أجنبية على تونس في إطار صناعتها لانقلاب على بن علي وبأن مجرد العودة العاطفبة للرمزيات الوطنية كافية لتهميش هذا الخطر لا يختلف كثيرا عن التضليل الذي يمارسه الإوان.
أصحاب مثل هذا الراي يقدمون خدمات مجانية للحركات الإخوانية دون وعي كما أنهم ينسون او يتناسون بأن هذا التيار ترعرع وتوسع في أحضان الدولة الوطنية مستفيدا من أخطائها ومن تناقض توجهاتها:
– تمكين الاسلاميين من الترعرع والتوسع تحت يافطة جمعيات حفظ القرآن منذ السبعينات.
– توفير فضاء للتعبير عن التطرف في مجلة المعرفة مما ساهم في انتشار الفكر الإخواني كذلك في السبيعينات.
– تشجيع انتصاب الإسلاميين في الجامعة ودعمهم في اختراق اتحاد الشغل مع بداية الثمانينات.
– علاقة الود مع محمد مزالي الذي بدأ نوعا من التطبيع الرسمي معهم.
– شيزوفرينيا البرامج المدرسية التي كانت تدرس العقل والفلسفة من ناحية وتدرس الفكر الإخواني في مادة التربية الإسلامية…تلك العقلنة المنقوصة هي التي وفرت قاعدة تلمذية وطالبية للإسلام السياسي.
– السماح للإخوان بالمشاركة في انتخابات 1989 تحت مسمى المستقلين بالرغم من انهم لم يقوموا بأية مراجعة لفكرهم المعادي للدولة.
– تطبيع صخر الماطري بمباركة بن علي مع التوجهات الإخوانية عبر إعادة الأسلمة من فوق وعبر التفاوض مع الإخوان لإيجاد صيغ للتفاهم….
لذلك فإن الاقتصار على استعادة ذاكرة الدولة الوطنية للتصدي للظاهرة الإخوانية لا يمثل اليوم الحل الأنجع لتونس. لأنه علينا الإقرار بتناقضاتها في إطار نقد ذاتي موضوعي بعيدا عن سطوة العاطفة والانهزامية.
الحل اليوم هو في مشروع يذهب اكثر في عقلنة الدولة وعقلنة الحياة السياسية والثقافة العليا كي نخرج من الماضويات ونفتح لتونس أبواب مستقبل الوطنية الحقيقية التي تخدم المواطن الحر…
هذا هو المشروع الحقيقي لتصحيح المسار الذي انحرف منذ أكتوبر 2011 بتحالف قوى الحكم ممثلة في النهضة (ونداء حافظ قايد السبسي لاحقا) مع المستفيدين من اقتصاد الريع والذي حول الانتقال الديمقراطي إلى تيو-مافيوقراطية…
معا نبني هذا المشروع الذي يعبر عن انتظارات شريحة واسعة من الناخبين التونسيين.
* باحث جامعي و محلل سياسي.
شارك رأيك