بعد فشل النظام شبه البرلماني القائم منذ 2014 في تونس، التحول إلى النظام الرئاسي ممكن و لكن يطول أمده، بينما البلاد تفتقد إلى أحزاب وازنة يمكنها أن تحكم، و لا حتى أن تتحالف مع بعضها و تكوّن جبهة قوية للأسباب التي نعرفها. فعلى كثرتها، تعمقت أزمتنا، و لا حلول في الأفق القريب، فهل يصار إلى مراجعات سياسية إزاء طفرة الأحزاب أم ستتوالد بلا فائدة؟
بقلم توفيق زعفوري *
مع تعدد الأحزاب التي يسميها التونسيون تندّرًا ب “الدكاكين”، تتعدد أيضا أزمات البلاد، في تطور سياسي معكوس، إذ من المفروض عندما تتعدد الأحزاب، تتعدد أيضا الحلول و البرامج و التوجيهات، و تعدد الأحزاب يكون تبعا لهذا حالة صحية، من الناحية السياسية الديمقراطية. و لكن في تونس كان التأثير عكسيا، و كان الإخصاء بدل الإخصاب، و التنكيل و التمكين بدل الفعل و التفعيل…
ماذا فعلنا بالدستور وبالثورة وبدماء من سقطوا ؟
ماذا ربحت تونس و التونسيون من مئات الأحزاب؟
لن أكون ديمقراطيا أكثر من الإغريق( الذين خلقوا الممارسة الديمقراطية و فعّلوها دون أحزاب)، و سأكون براغماتيا إلى أبعد الحدود، و أقنع فقط بالنتائج، فالأعمال بخواتمها، و “أما الزبد فيذهب جفاء، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
ماهي تصورات مئات الأحزاب لأزمة تونس منذ عقد من الزمن؟ أليسوا هم سبب الازمة؟ ألسنا فعلا على أبواب إنتخابات نيابية مبكرة؟، أم الأزمة أزمة مؤسسات، و أزمة نظام حكم؟
ماهو النظام الأصلح لتونس والذي يتناسب معها، شبه برلماني أفرز أزمات متلاحقة، لو لا تماسك بعض المؤسسات الأمنية، لأصبحنا في عمق حرب أهلية لا تبقي و لا تذر ؟
أليس من حق المناهضين للحكم الرئاسي أن يظهروا تخوفاتهم خاصة مع التلاعب و المراكمة في الأخطاء بين قصر قرطاج و القصبة و تنازع الصلاحيات بينه و بين باردو، رئيس بصلاحيات محدودة يريد أن يتغول، فما بالك برئيس ذي صلاحيات مطلقة، ألا يقود ذلك إلى مفسدة مطلقة و عودة إلى الديكتاتورية؟ ثم ماذا فعلنا بالدستور و بالثورة و بدماء من سقطوا إذن إذا كنا سنعود إلى المربع الأول؟.
من جهة أخرى، بما أن الأحزاب الفاعلة محتجة على إقصائها من المشاركة في الحكم سلطة و مشاورات، أليس من حقها أن تدافع على النظام البرلماني والتمسك به؟
سياسة هلامية بلا برامج ولا رؤى ولا مخططات
و إذا كان الرئيس يعتقد أن سبل الخروج من الأزمة هو تركيز الصلاحيات في جهة واحدة، بعدما اتضح أن توزيعها بين قرطاج و القصبة و باردو بدرجات متفاوتة لم يكن مثمرا، و لم يساهم في إخراج تونس من أزماتها… فهذا يعني اننا فعلا كما يقول المرحوم الباجي قائد السبسي، في عنق الزجاجة، لا الأحزاب قادرة على إحداث اختراق في جدار الأزمة، و لا الرئيس بهذه السياسة الهلامية (لا برامج و لا رؤى و لا مخططات) قادر على تحقيق هدف واحد من أهداف الثورة… فنحن نعرف أي سياقات أتت بالنظام البرلماني، بعد الثورة، فحتى الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي كانا قبل إغتيالهما أكثر إستشرافا لحكم الإسلاميين، و عجز “الترويكا” الحاكمة انذاك عن إخراج البلاد من أزمتها، و كانا يدعوان إلى العودة إلى النظام الرئاسي. فكم وقتا خسرنا منذ الإغتيال الأول، ثم الثاني و كم هزات شهدنا و كم أزمات لازلنا نعاني منها، و الحال تغير فقط إلى الأسوأ؟
التحول إلى النظام الرئاسي ممكن و لكن يطول أمده، فالرئيس يمكن أن يستثمر في شعبيته، و يكوّن حزبا سياسيا، يمكنه من تغيير نظام الحكم طالما يدعو إلى ذلك، و يسانده البعض من السياسيين، مشروع تونس مثلا و الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يدعو إلى المرور إلى الجمهورية الثالثة، و حتى الإستفتاء عليه، ليس فيه مخاطرة ناهيك أن التونسيين قد تعودوا على أن الرئيس هو الحاكم الفعلي وهو من يتحمل المسؤولية، ما يوحي فعلا بأزمة حزبية، حادة، فليست هناك أحزاب وازنة يمكنها أن تحكم، و لا حتى أن تتحالف مع بعضها و تكوّن جبهة قوية للأسباب التي نعرفها (ربما في المستقبل مع تنقيخ القانون الإنتخابي). فعلى كثرتها، تعمقت أزمتنا، و لا حلول في الأفق القريب، فهل يصار إلى مراجعات سياسية إزاء طفرة الأحزاب أم ستتوالد بلا فائدة؟
* محلل سياسي.
شارك رأيك