إن انسحاب رجال تونس ونسائها الوطنيين من معركة المواجهة مع قوى التهديم والتدمير من شأنه أن يحيل تونس على قائمة الدول الفاشلة كالصومال واليمن أو تلك التي غرقت في الصراعات القبلية والطائفية كالعراق وليبيا وسوريا وليبيا. لقد حان الوقت لتتحرك القوى الوطنية وتستعيد الوطن الذي ضاع بين أيدي المشعوذين والظلاميين والسفهاء والإنتهازيين الجشعين.
بقلم مصطفى عطية *
جاءت إقالة نصاف بن علية من رئاسة اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورنا المستجد، وهي التي تم تجاهلها خلال حفل تكريم ثلة من النساء المتميزات بالقصر الرئاسي بمناسبة عيد المرأة يوم 13 اوت 2020، لتثير لدى الرأي العام، بخاصته وعامته، تساؤلات مشروعة حول تفاقم ظاهرة معاداة النجاح والناجحين خلال عشرية الجمر والكوارث وتفكك الدولة ومؤسساتها.
لم تكن نصاف بن علية إلا إسما يضاف إلى قائمة من الكفاءات الوطنية التي تمت الإطاحة بها وعرقلتها وتهميشها وإقصاؤها. لا أتحدث عن رجال ونساء النظامين السابقين الذين نكل بهم تنكيلا بل عن كفاءات برزت في السنوات الأخيرة لكن “منظومة الرداءة” التي تشكلت في كل مواقع القرار والنفوذ أعلنت عنها “حربا ضروسا” وصلت إلى حد “الإبادة” المعنوية.
مخطط جهنمي لإفراغ البلاد من كفاءاتها
نحن لا نحب النجاح، ونمقت الناجحين ونشكك في نجاحاتهم، هكذا هي عادتنا السيئة منذ القدم، وقد استفحلت أخيرا بشكل غير مسبوق، وٱنهالت معاول التهديم على الإنجازات القليلة التي تحققت، أخيرا، في بعض المجالات، وتعرض منجزوها لحملات مسعورة للإطاحة بهم !
لم نخرج من هذه الحلقة المزعجة منذ إنفجار براكين الحقد والكراهية بشكل هستيري بعد الرابع عشر من جانفي 2011، و بدا، جليا وواضحا، أن الذين ركبوا سروج الحراك الشعبي في الساعة الخامسة والعشرين كما يقال تهكما، يريدون إفراغ البلاد من كفاءاتها لتنفيذ مخططات جهنمية، كانوا قد أعدوا لها في دكاكين الشر بالداخل والخارج، وقد حرصوا، طوال هذه العشرية المرعبة، على استهداف كل من خولت له نفسه المساهمة بجدية وفاعلية في إصلاح أوضاع البلاد.
أغلبنا مدرك لمدى تغلغل الحقد الأعمى في نفوس الكثير من الذين جاءت بهم رياح الثورجية الزائفة والإنتهازية الجشعة والتجارة بالدين، ورغبتهم الهستيرية في قطع الطريق أمام الوطنيين المخلصين وأصحاب الخبرة والمعرفة والكفاءة، لكن الذي صدمني هذه الأيام، هو إرتفاع نسق حملات هؤلاء، وهي حملات ممنهجة ومشحونة بكم مرعب من الحقد الأعمى.
لقد شعرت وكأننا نتراجع بسرعة هائلة إلى تلك الفترات الحالكة من تاريخنا الوسيط بالخصوص والتي تحدث عنها إبن خلدون في كتابه المجهول نسبيا “رحلة الغرب والشرق”، وهي فترات عديدة وشديدة السواد هرب فيها من البلاد من هرب ومنهم إبن خلدون واغتيل من اغتيل واختفى من اختفى، وكم حاولنا إخفاءها وطمسها والتعتيم عليها.
لا شك أن الحاقدين، أعداء النجاح، يعملون جاهدين على إبقاء الأوضاع على حالها، بل ومزيد تأزيمها لأن وجودهم على الساحة مرتبط بدوام الأزمات.
تخليص الوطن من قبضة المشعوذين والإنتهازيين الجشعين
عندما نعاين الوجوه التي تتحكم في المشهد السياسي في البلاد وتملأ المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وبعضها من المتحيلين والفاسدين والمهربين والإرهابيين، وبعضها الآخر من الأميين والجهلة والسفهاء، ولما نتذكر أن دستورنا، الذي وصفه السياسي المفلس مصطفى بن جعفر ب” أحسن دستور في العالم”، وضعه مجلس تأسيسي أغلب أعضائه من أنصاف الأميين وبعضهم من المعتوهين والمشعوذين ، وحين نكتشف أن إداراتنا ومؤسساتنا العمومية قد غزتها جحافل خريجي السجون لتأخذ مكان الإطارات الوطنية الكفأة، ندرك أن الأمر ليس مجرد ظاهرة عادية وإنما هي مخططات جهنمية مدبرة بحنكة ودراية لفرض الجدب والبوار في البلاد حتى تسقط الدولة وتتفكك مؤسساتها.
لم أفهم إلى حد الآن دوافع هذه السلبية الغريبة التي أظهرتها القوى الوطنية والشخصيات المستنيرة وطبقة المفكرين والمثقفين تجاه ما يحدث من انتهاكات صارخة لمكاسب البلاد وكفاءاتها مما وفر أرضية خصبة لطغيان الرداءة والوضاعة والإبتذال في كل القطاعات دون استثناء، حتى أصبح الإرهابيون يصولون ويجولون في مؤسسات الدولة والمنحرفون قادة رأي والفاسدون زعماء سياسة.
إن انسحاب رجال البلاد ونسائها الوطنيين من معركة المواجهة مع قوى التهديم والتدمير من شأنه أن يحيل تونس على قائمة الدول الفاشلة كالصومال واليمن أو تلك التي غرقت في الصراعات القبلية والطائفية كالعراق وليبيا وسوريا وليبيا. لقد حان الوقت لتتحرك القوى الوطنية وتستعيد الوطن الذي ضاع بين أيدي المشعوذين والظلاميين والسفهاء والإنتهازيين الجشعين.
*صحفي و كاتب.
شارك رأيك