تزامنت العملية الإرهابية التي قامت بها مجموعة من الأشخاص في ولاية سوسة أمس الأحد 6 سبتمبر 2020، مع نيل الثقة لحكومة هشام المشيشي، ويمكن تفسيرها بأنها عملية جاءت لتقوّض ما تم إنجازه إلى حد الآن في تونس من انتقال سلس للسلطة وتداول ديمقراطي على الحكم، لأن هناك أطرافا داخلية وخارجية لا تريد لتونس أن تنجح في هذا المسار، بل تُريدها أن تعيش الفوضى بأتم معانيها، فكلما كان هناك استقرار سياسي نسبي تظهر فجأة عمليات من هذا النوع تحاول أن تعكّر صفو الجو السياسي العام، وكلما كان هناك استقرار أمني تزداد المعارك السياسية شراسة وتشتعل بين الأحزاب السياسية.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
لكن يبقى السؤال المطروح مَنِ المستفيد من هذه العمليات؟ ومن وراءها؟ لأن الفاعل قد يفعل ذلك من تلقاء نفسه لحاجة في نفس يعقوب وقد تكون خليّة إرهابية نائمة في تونس أو تسللت من ليبيا أو غيرها من الحدود، فهذه العملية شبيهة بالعملية التي قام بها شاب تونسي وفي سوسة أيضا في سنة 2015، وجاءت بعد انتخابات ديمقراطية مما يوحي أن هناك من يترصد فعلا العملية الديمقراطية ويريدها أن يُصيبها في مقتل ويريدها أن تفشل وتُوأد في مهدها.
عملية إرهابية إثر كل عملية ديمقراطية ناجحة
لكن على الدولة التونسية أيضا أن لا تبقى تنتظر كل مرة عملية إرهابية إثر كل عملية ديمقراطية وتكتفي بالإدانة ومتابعة الجناة وقتلهم أو القبض عليهم، ورغم أن هذا واجبها وهي تقوم به، إلا أنه ينبغي عليها أن تبحث عن استراتيجية لمواجهة الإرهاب في صورته الحالية، بمعنى أنها ينبغي أن تتبع سياسة دفاعية أمنية وقائية، حتى إذا ظهرت خلية أو مجموعة أو تحاول أخرى التسرب إلى التراب التونسي من أي منفذ حدودي قضت عليها قبل قيامها بأي عملية، وهذا طبعا يتطلب جهدا كبيرا وعملا مُضنيا، وعُدة كبيرة وتدريبا واستعدادا كاملا حتى تستطيع أن تبني جدارا أمنيا قويا، وتخرج تونس من هذه الأزمة التي أدخلت عنصر الاضطراب في الحياة العامة وأدت إلى استنفار عام من أجل التصدي لكل المحاولات العدائية.
هذه السياسة تبنى على عمليات استخباراتية متطورة جدا، بالتعاون مع دول الجوار ومع المنظمات الدولية التي تمدّ تونس بالمعلومات والأسرار والوثائق التي يمكن أن تُعينها على اكتشاف الجريمة بسرعة فائقة حتى قبل حدوثها، وتكوين حزام ناري مستيقظ على الدوام لحماية تونس الوطن وتونس الشعب من أي محاولات للتشويش على أمن تونس وشعبها، وبالتالي تستطيع تونس أن توفّر مناخا استثنائيا يستطيع من خلاله الشعب التونسي أن يشعر بأن الأمن سارٍ في البلاد بل وفي طول البلاد وعرضها، وهذا قد يكلف تونس مبالغ طائلة لكنه يمكن أن يوجد لها الحماية المناسبة واللائقة.
الشباب يعاني من الفراغ ويحتاج إلى برامج لاحتوائه وتنميته فكريا وسياسيا ودينيا
وبالتوازي مع هذه الخطة ينبغي على تونس أن تفكر في الشباب وتحتويهم، لأنهم عماد البلاد وقوّتها وعزّها، ينبغي أن تستفيد منهم ومن قدراتهم مهما كانت، وجعلهم مواطنين صالحين يحبون بلادهم لا مواطنين بلا هدف، على الدولة أن ترسي مشاريع تحفظ وجودهم في البلاد وترعاهم ثقافيا ونفسيا واجتماعيا وتربويا، وحدوث هذه العملية إنما يعبر عن حالة اليأس والإحباط التي عليها الشباب التونسي اليوم رغم أن بعضهم من المتميزين دراسيا إلا أنهم اختاروا هذا الطريق بإرادتهم لإنهاء حياتهم وحياة أبرياء آخرين معه، فضلا عن زرع رعب كبير في صفوف الآمنيين، بهذه الطريقة الوحشية واللاإنسانية، فلا بد أن نبحث عن جذور المشكلة ودوافعها وأسبابها ونحاول إيجاد الحلول المناسبة لخدمة تونس على المدى الطويل وإلا فكيف نستطيع أن نواجه 3000 شابا تونسيا كانوا يقاتلون في سوريا والعراق، ينبغي أن نعترف أن لدينا مشكلة والمشكلة هي في شبابنا.
فعندما نحلل الأسباب تتراءى لنا المشكلات النفسية التي يعاني منها كثير من الشباب التونسي اليوم، فهو يعيش حالة من التذبذب، ولم يعد يصبر على حالته التي يعيشها، يريد أن يخرج إلى الحياة بنفس جديد يخدم البلاد ويخرجها من أزماتها لكن الكبار يبدو أنهم يصدّونهم ولا يمنحونهم الفرصة، كلما حاول أحدهم اقتحام الميدان وجد سدا منيعا، فلجأ إلى أساليب أخرى للفت أنظارهم إلى المشاكل التي يعانيها، وما إقدام هؤلاء الشباب على هذه العملية إلا دليل واضح على لفت المسؤولين إلى مشكلة حقيقية يعاني منها بعض الشباب التونسي، وعلى الدولة أن تسعى إلى معالجتها بطريقة سلمية لتتفادى بالتالي عمليات أخرى قد تكون أخطر.
وهؤلاء الشباب هم أبناؤنا يجب الاعتناء بهم نفسيا واجتماعيا، لا بد من إعادة تأهيلهم، لأنهم يعيشون حالة من التوحد الفكري، يحتاجون إلى من يعينهم ويرشدهم للطريق الصحيح، يحتاجون إلى مراقبة من الأهل ومن المقربين، يحتاجون إلى برامج لاحتوائهم وتنميتهم فكريا وسياسيا ودينيا، ليكونوا شركاء فاعلين في الحياة العامة، وينشأوا صالحين بناة لبلدهم ومدافعين ومنافحين عن وطنهم، فهل تونس مستعدة فعلا لهذا البرنامج التأهيلي والتربوي لتبعد عنها شبح الانهيار؟.
* محلل سياسي.
شارك رأيك