فاجأ السيد فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في طرابلس الجميع وأعلن أنه يرغب في التخلي عن منصبه وأنه مستعد لتسليم الراية لأي مجلس رئاسي قد يتشكل، وحدد موعدا لذلك في آخر أكتوبر القادم.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
رغم أن حكومة السراج معترفٌ بها دوليا، ولها صبغة شرعية وقانونية عالمية، إلا أن هذا الأخير وجد نفسه في مرحلة تلحّ عليه بالخروج من الحياة السياسية والقيادية، مع تعقد المشهد الليبي اليوم والذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، وتحرّك المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي سريع للأزمة الليبية مع تشابك الأحداث بين الشرق والغرب، ولكن السؤال المطروح أو الذي يتبادر إلى الذهن، ما الذي جعل السراج يتنازل عن منصبه فجأة؟ وكيف سيكون المشهد بعدئذ؟
من المعلوم أن فايز السراج يقود حكومةً معترفًا بها جاءت نتيجة لاتفاق الصخيرات في المغرب، وأنها كانت تمثل جزءا من المجتمع الليبي لا كله، مما يصعب مهمة السراج في تمثيل الدولة الليبية في الخارج، فهو لا يمثل إلا طرابلس وهي جزء صغير من التراب الليبي، وباقي المواقع إما تحت سيطرة المليشيات الليبية أو تحت سيطرة المشير خليفة حفتر كما هو الشأن في بنغازي، وبعض المناطق الأخرى تخضع لنظام القبائل، فظلت ليبيا طوال الفترة التي تلت مقتل العقيد معمر القذافي مقسّمة فعليّا بين الشرق والغرب، رغم المحاولات الدولية في أوروبا والخليج وإفريقيا لجمع الفرقاء على كلمة سواء، إلا أن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل وهذا ما يفسر غرابة الملف الليبي وتعقّده، أو لتداخل المصالح الأجنبية فيه مما جعل كل طرف يناصر فصيلا من الفصائل المتصارعة، بل هناك من الأطراف الأجنبية من يعمل على تأجيج الصراع رغم أنه يصرح في العلن بأنه يساند المفاوضات ويدعم الاتفاقات.
اتفاق وشيك بين تركيا وروسيا حول ليبيا، يمكن أن يبعد السراج
ورغم أن السراج بنى علاقات قوية مع تركيا حينما وقّع معها اتفاقات حول الحدود البحرية، وضمِن الجانب الليبي الدعم التركي الكبير، إلا أن ذلك لم يشفع له للبقاء ومواصلة النضال من أجل ليبيا، خاصة بعد توالي الضغوطات على الجانب التركي ومحاولة افتعال مشاكل حقيقية بين تركيا واليونان حول الحدود البحرية بينهما، مما زاد الطين بلة، وربما يؤدي ذلك إلى حرب بين تركيا واليونان وستجني ليبيا آثارها على المدى القريب أو البعيد، إضافة إلى إعلان وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلوا عن اتفاق وشيك بين تركيا وروسيا حول ليبيا، يمكن أن يبعد السراج عن المشاركة الفعلية فيه، ويجبره أن يكون دمية في يد الأتراك والروس، وهو ما يرفضه تماما حسبما يبدو، وإعلان اجتماعات الرباط التي يقودها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على قرب الوصول إلى اتفاق بين الفرقاء يمكن أن يحقن الدماء في ليبيا، ولم يكن للسراج تأثير كبير فيه.
حكومة ضعيفة تواجه احتجاجات كبيرة
ولا يخلو الأمر من ضغوطات خارجية وداخلية أخرى، خاصة إذا علمنا أن حكومته تبدو ضعيفة أمام الرأي العام العالمي والمحلي، فهي تواجه احتجاجات كبيرة على المعيشة وما وصل إليه الأمر في الداخل الليبي، حيث يعيش الليبيون أزمة اقتصادية خانقة، وارتفاع البطالة وتأزم الوضع الإنساني مما قد يؤدي إلى انفجار داخلي بسبب عجز السراج طوال الفترة الماضية عن تحقيق مطالبهم الاجتماعية بفعل الحرب الدائرة في كل مرة مع المشير خليفة حفتر، هذا إلى جانب ازدواجية العالم في التعامل مع القضية الليبية مع كل الأطراف الدولية، فرغم اعترافها بحكومة الوفاق إلا أنها تتعامل مع حفتر كرقم معادلة وكحليفٍ لا كمعادٍ للحكومة الشرعية التي اكتسبت الصبغة الدولية، وبالتالي وجد السراج نفسه يعمل في دائرة مغلقة لا أبواب فيها، وهمه الوحيد الخروج من المأزق السياسي الذي أوجد نفسه فيه ولا يُحسد عليه، ورأى أنه حان الوقت وآن الأوان أن يسلم الراية لغيره بعد أن يتوافق العالم على صيغة موحدة لإنقاذ ليبيا من صراعها الدموي طوال عشر سنوات تقريبا.
واختلف الليبيون في مواقفهم تجاه نية السراج الانسحاب والاستقالة، فهل يكون إعلان السراج نوعا من المراوغة الدبلوماسية كما يقال للضغط على الأطراف الدولية للاعتراف به كجهة شرعية وحيدة في ليبيا يمكن التعامل معها بعد التحركات الأخيرة ومحاولة إيجاد صيغ جديدة للخروج من الأزمة أم هو البحث عن خروج آمن للأزمة قبل أن تتفاقم ويجد نفسه أمام مطالبات بمحاكمته ربما مستقبلا على ملفات قد يراها طبيعية لكن العالم يراها فسادا وجرائم حرب، كل ذلك ممكن ويمكن أن تتبين خيوطه بعد مرور الوقت ومن هنا إلى آخر أكتوبر قد تتغير الظروف لصالحه فيتنازل عن الاستقالة وقد تتغير ضده فيصر عليها قبل فوات الأوان.
* محلل سياسي.
شارك رأيك