يقول راشد الغنوشي في رده أمس. الخميس 17 سبتمبر 2020 على رسالة ال100 شخصية من النهضة التي وصلته وقت صلاة المغرب و ليس في الفجر كما قيل، عبر رسالة متداولة على صفحات التواصل الاجتماعي، أنه من صنف الزعماء و ليس من صنف الرؤساء و هم الاستثناء من القاعدة.
وهذا ما جاء في رسالة الغنوشي:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
لقد فاجأتني البارحة مجموعة من كرام وكبار اخواننا بزيارة كريمة طلبها احدهم حسبتها خاصة به وأن غرضها، شأن كان حديثنا من ايّام ،إلا انني سرعان ما تنبهت الى ان الامر يتعلق بتسليمي رسالة مذيلة باسماء، لا توقيعات ، مائة قياديا يطالبون رئيس الحركة إعلانه الصريح انه ليس معنيا بالقيادة في الموتمر القادم . ذكرتني زيارة الإخوة الخمس الكرام بالزيارات المعتادة لنفر من قادة الجيوش في الهزيع الأخير من الليل لرؤساء بلادهم يبلغونهم الامر بالتنحي .الحقيقة ان الزيارة حصلت وقت صلاة المغرب وليس في الفجر.
الجيد في الرسالة المطولة ان نسيجها اللغوي جيد ومطرز بمفاهيم الديمقراطية والإسلام . وذلك ما حملني على الوقوف عند بعض هذه المفاهيم وامتحانها مثل ديمقراطية الاحزاب
والسؤال الاساسي هنا هل من لوازم الديمقراطية الحزبية تغيير القيادات في مدد معينة بصرف النظر عن كونهم اصابوا أم اخطأوا !؟ هذا خلط متعمد بين مقتضيات مجالين مختلفين مجال الحزب ومجال الدولة، تحديد المدد بدورتين معروف في رئاسة الدول الديمقراطية.
اما ديمقراطية الاحزاب فالتداول المعروف فيها، يتحقق بالتجديد الدوري او عدمه لقياداتها عبر عمليات انتخابية دورية نزيهة تبنى على تقويمات موضوعية للاداء ، فيجدد للبعض دون حد اذا كان حكم المؤسسات على أدائه إيجابيا فيدعم او يعفى اذا الحكم على الاداء سلبيا . ان الاحزاب تستثمر في قياداتها الناجحة فتدفعها الى اعلى حتى تنتقل مقبوليتها من المستوى الحزبي الى المستوى الوطني وحتى اوسع من ذلك . التداول هنا يتم عبر التقييمات المستمرة للإداء وعبر الانتخابات الدورية،وهو امر معروف في التجربة الحزبية في المحاضن التاريخية للتجربة الحزبية الديمقراطية: إنغلترا ، فرنسا ، … وكثيرا ما تتم عملية التداول القيادي في الاحزاب الديمقراطية بسرعة عبر عمليتي التقييم والانتخاب الدوريين دون حاجة الى وضع قاعدة قانونية تحدد ذلك ، سواء أتعلق الامر بقيادات حزبية جهوية(كاتب عام )أم مركزية(شورى)أم نيابيةً ، لان السلطة عامل تهرئة طبيعي،فلا يعاد انتخاب القيادات التي قيم أداؤها سلبا وحتى قبل نهاية العهدة.
أما” الزعماء” في الاحزاب الديمقراطية وليس الرؤساء، فهم الاستثناء من القاعدة، لقدرتهم على الصمود في مواجهة عامل التهرئة ، العنصر الفاعل في التداول. الزعماءجلودهم خشنة! ،يتحملون الصدمات ويستوعبون تقلبات الزمان ويقاومون عامل التهرئة ،اذ يتجددون فيكونوا قوة دفع وتعبئة لشعوبهم وراء احزابهم فتظل شعبيتهم وأحزابهم في صعود او تراجع محدود حتى يتبؤوا معها مقامات قيادة البلاد ،فلماذا يغيرونها وهي في قمة عطائها وإشعاعها داخل البلاد وخارجها؟ ، أمثال هذه الزعامات تبحث عنها الاحزاب تمييزًا بين روساء احزاب – وما أكثرهم – غالبًا لا تتحملهم احزابهم لأكثر من دورة وبين زعماء احزاب لا يجود الزمان بمثلهم الا قليلا، فتستمسك بهم احزابهم وشعوبهم ولا تحصي عليهم انفاسهم تنتظر انقطاعها وانما تخشى فقدهم وتتحسر على غروب شموسهم مرددة قول الشاعر:
سيعرفني قومي اذا جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ومن أمثلة هؤلاء الزعماء الذين حفظ التاريخ ذكرهم، تزعموا احزابهم وهم شباب واستمروا في قيادتها وهم شيب ، اذ قادوها عقودا الى قمة المجد والسلطةً : زعيم الديغوليون شيراك وزعيم الاشتراكيين ميتران وزعيمة الديمقراطيين المسيحيين مركل وزعيم العمال البريطاني بلار والنائب العمالي طوني الذي مكث نائبا في البرلمان البريطاني اكثر من ثلث قرن والسيد نصر الله الزعيم قاد المقاومة منذ شبابه الشيعي….وبذلك يبدو جليًا فساد الخلط بين قواعد التداول التي تدار بها الدول وبين التداول في نظام الاحزاب
كما تبين الفرق بين التعامل مع الزعماء والتعامل مع القادة العاديين (إداريين).
ان الذين يتغطون بالديمقراطية لفرض وصايتهم على الموتمر 11بشروط إقصائية مسبقة،لا ديمقراطية ،لعله يتحقق بهذا ما عجزوا عنه في الموتمر العاشر من استبعاد زعيم الحركةً، غير مترددين في ارتكاب خلط آخر شنيع بين مبدأ التداول عبر التجديد والانتخابات الدورية النزيهة وتقويمات للاداء وبين رئاسة دكتاتورية مؤبدة مدسترة. كما يخلطون بين الدعوة لمثل هذا التداول عبر التقويم والانتخاب النزيه المتجددين وبين ما كان معروفا من مناشدات في ظل الدكتاتورية!!هؤلاء يرتكبون اخطاء منهجية تضليلية شنيعة تهدف الى نقل الخلاف من مربعه الأصلي الى ساحة اخرى مضللةً. مربع الخلاف الأصلي يدور ليس حول الديمقراطية وانما حول تقدير المصلحة مصلحة البلاد ومصلحة الحركة والامة، هل هي اليوم في تغيير زعامة الحزب باعتبارها قد تحولت عبئاعلى الحركة والبلاد، من الواجب الخلاص منه! وأن الأوضاع قد تهيأت لذلك؟ وما تاثير ذلك على الاستقرار في البلاد والإقليم؟ وماذا يهم الشعب التونسي وهو في صراع مع الوباء والغلاء من خلافات النهضة وغسيلها لماذا نشغله بذلك ؟ أم ان الامر على غير ذلك وان زعامة الحزب – على ما هي عليه- رصيد للحزب استثمر فيه خلال نصف قرن حتى تهيأ للمقامات العالية، فهل المصلحة تقويته ام اضعافه؟ .هل ما يطالبه به اصحاب الرسالة من اعلان تنحيه عن القيادة في اجل قريب هو امر يقدم خدمة للبلاد للحرب ؟ ولماذا اتخاذ ذلك شرطًا قبليًا للمشاركة في المؤتمر أليس ذلك مصادرة لارادة المؤتمرين ؟واذا كان هناك تهيؤ لمثل هذا التداول فالمؤتمر هو المناسبة لتقويم الاداء والحكم على كل القيادات عبر العملية الانتخابية التنافسية .ألا يبدو الامر وكان هناك تشكيكا في العملية الانتخابية وفي المؤتمرين اذ يراد الحسم سلفا في هذه المسالة المهمة دون المؤتمرين، ولماذا أضعنا أوقاتًا وجهودا في م ش لانتخاب لجنتين كبيرتين شرعتا لتوهما في الاعًًداد للمؤتمر فلم التعجل ورمي الموتمر الذي كان مطلوبا بإلحاح ظهريًا ، إلا اذا كان القصد فتح الأبواب امام حلول اخرى تستبق الموتمر لانها لم تعد تثق في اختياراته. والمسالة مسالة بحث عن ذريعة لشرعنة امر يراد، في وقت عصيب تمر به البلاد والإقليم . ارجو ان لا يكون ذلك كذلك
وختاما أوصي اخوتي واخواتي أبنائي وبناتي الأحباب بالهدوء وان يحفظوا عقد الإخوة وآداب الاختلاف ووحدة صفهم وأمانة دماء الشهداء ومعاناة عشرات الآلاف من المناضلات والمناضلين ، موقنين انها زوبعة وتمر كما مر غيرها” لا تحسبوه شرا لكم”، شاغلين أنفسكم بهموم شعب تزحف عليه الأوبئة ويهدده الجوع . فأن تنير شمعة خير من ان تلعن الظلام. أنار الله بصائرنا وهدانا الى التي هي تقوم
والله سبحانه نسال العون والرشد والتسديد.
شارك رأيك