في إجابة لسؤال طرحته عليه أمس الخميس 17 سلتمبر جريدة الشروق اليومية حول ما سماه بعريضة التجديد التي امضاها 100 قيادي من النهضة الاسلامية، قال عبد الحميد الجلاصي القيادي البارز المستقيل من الحركة منذ 4 مارس ما يلي:
“عادة ما احاول التعاطي مع المسائل في كلياتها لان التركيز على حالة معينة او الشخصنة يمكن ان تشوش على النقاش وتحرفه باتجاه ما يشبه تصفية الحسابات . ولذلك اقرأ العريضة تعبيرا عن مكابدة عدد من النخبة الديموقراطية داخل تنظيمات مقاومة الاستبداد .بهذا المعنى قد نجد شبيها لها في تنظيمات مناضلة اخرى بمختلف مرجعياتها .
وهي تثير في العمق قضية السلطة وعلاقة الذات الانسانية بها .الانسان كائن متملك بطبيعته وينحو نحو التفرد و التسلط .و المرجعيات مهما اختلفت عوض ان تكون مصدر استلهام تغدو مجرد أدوات وظيفية لتبرير هذا المنزع .و لقد انتبه الإبداع الديموقراطي لهذا المعنى فحرص على تشذيبه و محاصرته من خلال الاشتغال على الثقافة و الوعي و لكن ايضا على التقنين و على تشجيع إفراز موازين قوى تعدل التغول داخل الكيانات ذاتها .
منتظمنا الحزبي و الجمعياتي ،دون استثناء ،بصدد معاناة هذا المخاض للانتقال من ثقافة الجماعة الى ثقافة الحزب ،و من ثقافة الولاء الوجودي الى ثقافة التعاقد المدني ، و من ثقافة التحفظ الى ثقافة تشريك الراي العام ،و من ثقافة الغرف المغلقة و السرية الى ثقافة الهواء الطلق ،و من ثقافة تعتبر الجماعات(لا اتحدث عن احزاب )ملكا حصريا ل”أهلها “الى اعتبارها ملكية عمومية .
العريضة في حد ذاتها تدل ان شيئا ما يتغير في الثقافة الحزبية ،و قد سبقتها مبادرات كثيرة تسرب منها للراي العام عريضة موجهة لرئيس النهضة في سبتمبر 2018 ثم مبادرة الوحدة و التجديد التي تسربت ايضا للراي العام في مارس الماضي .
الشكل يتغير ،و هذا مهم ،و لكنها كلها موجهة الى الفوق الى الراس ،بما يدل على تردد في مخاطبة الراي العام الداخلي .
العريضة الاخيرة ذات سقف اخلاقي .هي وثيقة “ترجي ” تجمع الحجج للإقناع بفكرة التداول ،و تجنبت الدخول في تقييم الاداء السياسي .هي وثيقة جريئة و لكنها لم تغادر ثقافتنا السياسية القديمة لانها تراهن على ترك الأبواب مفتوحة وعلى تفهم من وجهت اليه .
كيف سيتم التعامل مع العريضة ؟
غير خاف تحفظ اعداد متزايدة على اداء الاحزاب وغير خاف ايضا عدم اقتناع رئيس الجمهورية بالبناء السياسي المؤسس على الاحزاب .في هذا السياق اكبر هدية تقدم لهذا المزاج ان تثار في الاحزاب و المنظمات الكبرى مسائل يفهم منها المساس بأبسط الالتزامات الديموقراطية و هي الانضباط للقوانين و التعهدات . لا يبقى شيء يؤدي الى احترام السياسة و السياسيين اذا اقترنت صورتهم بالانقلاب على التعهدات الانتخابية ،وهو حاصل دون ان يجرأ أصحابه على الاعتراف و الاعتذار ،و ينضاف اليها الانقلاب على التعهدات الداخلية .
ا يؤتمن المتلاعبون بالوعود الانتخابية و لا بالقوانين الداخلية على الديموقراطية في البلاد . الديموقراطيون من خارج الاحزاب لا تعنيهم تفاصيل المعارك الداخلية في الاحزاب و المنظمات ،هذه من شان المناضلين و المنخرطين ،انما يعنيهم الالتزام بقواعد اللعبة الديموقراطية و البوصلة يجب ان تكون واضحة .
آمل ان يتم التعامل مع مثل هذه المبادرات بما يطمئن التونسيين على تقدم الثقافة و الاخلاق الديموقراطية و بما يطمئنهم على اهمية احترام التعهدات باعتبارها مقدسا دينيا و مدنيا .
اما ان ووجهت عريضة “الترجي” بعرائض “المناشدة و التمديد ” و مسعى التوافق بعقلية المغالبة ففكرة الحزب ذاتها هي الخاسرة ونكون بذلك قد عدنا خمسين سنة الى الوراء .
بقطع النظر عن التفاصيل لا يزال لدي امل”.
شارك رأيك