أمام اهتزاز الرأي العام الأمريكي بعد وفاة القاضية و عضوة المحكمة العليا الأمريكية روث بدر قينسبورغ والخوف على حيادية هذه المؤسسة الحامية للدستور، يبدو أن وضع المحكمة الدستورية في تونس لا يزال محل تجاذب بين كبرى القوى السياسية و حتى بين الكتل التي تشكل التحالفات البرلمانية. الفرق كبير بين الثورة الأمريكية المتواصلة والرذالة السياسية التونسية…
بقلم عاطف الحمزاوي *
إهتزت الولايات المتحدة الأمريكية أمس على خبر وفاة القاضية و عضوة المحكمة العليا الأمريكية روث بدر قينسبورغ… الصدمة كانت مضاعفة، أولا بفقدان إمرأة شجاعة عرفت بمواقفها التقدمية و دفاعها عن الحريات وقضايا المرأة و ثانيا لأن الوفاة تأتي 46 يوما قبل موعد الإنتخابات الرئاسية!
منذ الإعلان عن خبر الوفاة تسارعت الآراء و التصريحات بين مؤيد و رافض لتعيين قاض لخلافة RBG كما يحلو للأمريكيبن تسميتها.
تاريخيا عرفت المحكمة الأمريكية بالتوازن بين أعضائها بين المحافظين الموالين للحزب الجمهوري و التقدميين المواليين للحزب الديمقراطي، وفاة روث يمنح الرئيس الأمريكي ترامب فرصة تعيين قاض محافظ ربما يرجح كفة المحافظين في التصويت داخل المحكمة خاصة و أن البلد مقبل على إنتخابات في ظرف خاص قد تعرف عديد التعقيدات القانونية التي سيكون مآلها أروقة المحكمة العليا.
الأمريكيون متمسكون بحياد المحكمة الدستورية
أمام هذه الفرصة التاريخية للحزب الجمهوري الذي سارع رئيس كتلته بمجلس المستشارين ميتش ماكونال بالتأكيد على أنه سيعين جلسة لمنح الثقة لقاض جديد إذا إقترح الرئيس ترامب شخصا لسد الشغور قبل الإنتخابات، تعالت مقابل ذلك الأصوات الديمقراطية الرافضة لقرار تعيين قاض جديد أياما قبل الإنتخابات و إستشهدوا بحادثة رفض مجلس المستشاريين تعيين الرئيس أوباما لقاض بالمحكمة خلال فترة رئاسته أشهرا قبل الإنتخابات. في مقابل هذا الصراع السياسي تجمع الأمريكيون أمام المحكمة العليا لتكريم القاضية RBG و للتعبير عن تمسكهم بحياد المحكمة وإرجاء تعيين قاض إلى ما بعد الإنتخابات.
أمام هذه الثورة الأمريكية لضمان حيادية أكبر مؤسسة حامية للدستور، يبدو أن وضع المحكمة الدستورية في تونس لا يزال محل تجاذب بين كبرى القوى السياسية و حتى بين الكتل التي تشكل التحالفات البرلمانية.
لا شك و لا إختلاف أن الهوة عميقة بين ديمقراطية عريقة و ديمقراطية ناشئة إلا أن مسار تشكيل المحكمة الدستورية في حد ذاته يبعث على الريبة و الخوف و حتى الإشمئزاز فمنذ إنتخابات 2014 لم ينجح الفرقاء السياسيين في التوافق على أعضاء المحكمة رغم وجود كتلتين هامتين بالمجلس. هذا التعطل كان نتيجة فقدان الثقة، فحتى عندما تم إيجاد توافقات لم يعكس التصويت تلك التوافقات.
في تونس تحالفات برلمانية تبعث على الريبة و تشكل حطرا على عملية تشكيل المحكمة الدستورية
أما ما يبعث على الريبة اليوم فهو سعي بعض الأطراف إلى تغيير قانون إنتخاب أعضاء المحكمة لضمان توفر نصاب أقل من النصاب الحالي لتمرير المرشحين. هذه العملية التي في ظاهرها قد تساعد على إنتخاب الأعضاء الأربعة المرشحين من مجلس النواب فإن تمريرها في الوقت الراهن و بالتوازنات الحالية لمجلس النواب قد تمثل إنزلاقا خطيرا للديمقراطية فلا يمكنك أن تكون الخصم و الحكم في نفس الوقت كما لا يمكنك تغيير قوانين اللعبة أثناء اللعبة. ويذكر الجميع أن الرئيس الباجي قايد السبسي رفض تغيير الدستور خلال فترة رئاسته رغم رفضه للعديد من أحكام الدستور الحالي و فصوله.
الباعث على الريبة أكثر هو ذلك التحالف الذي تشكل مؤخرا بين أهم كتلة بالبرلمان و بعض الكتل التي تلاحقها شبهات فساد و هو تحالف قد يؤدي إلى التوافق حول شخصيات داخل المحكمة الدستورية قد تخدم مصالح لوبيات معينة وهو ما يجعل من هذا الصرح الحامي للدستور، مظلة للفساد.
* مختص في علم الإجرام والعلوم الجنائية، وخبير دولي في الأمن وقضايا الإتجار بالبشر والجريمة المنظمة.
شارك رأيك