هزت قضية مقتل رحمة لحمر الرأي العام في تونس ليس فقط لبشاعتها ولكن أيضا لأن مثل هذه الجرائم أصبحت متواترة وتحولت من حالات معزولة إلى ظواهر عامة، يمكن أن تمس في أي لحظة أي فتاة تونسية، أي إمرأة محصنة و أي عجوز ثمانينية للأسف!
بقلم توفيق زعفوري *
أنت لست بصدد مشاهدة فيديو على اليوتوب، أو تتابع قناة أحد اليوتوبر المعروفين، أو تشاهد برنامج على الناشيونال جيوغرافيك عن كيفية التخلص من الخنازير البرية، الآدمية و المتعلقة بهم جرائم ضد الفتيات والنساء بل والأطفال حتى…
هزت قضية مقتل رحمة لحمر الرأي العام في تونس ليس فقط لبشاعتها ولكن أيضا لأن مثل هذه الجرائم أصبحت متواترة وتحولت من حالات معزولة إلى ظواهر عامة، يمكن أن تمس في أي لحظة أي فتاة تونسية، أي إمرأة محصنة و أي عجوز ثمانينية للأسف! والسبب ليس المخدرات ولا الخمور ولا التهور، السبب هو إخلال بعض المؤسسات بمسؤولياتها، و ضعف الردع ما جعل الخنازير تتجرأ و تتفنن و ترتكب أبشع الجرائم، تحول الإنسان إلى خنزير لا يراعي لا حرمة ولا أنوثة، ولا أخلاق ولا عقاب ولا إنسانية…
هناك خلل ما في التعاطي المجتمعي مع الجريمة
الرأي العام يحس بمنسوب عالي من القهر و الإحباط و الغضب الممزوج بالرغبة في الانتقام، حتى الإعدام يبدو قليلا مقابل بشاعة الفعل الخنازيري، أما الزج بالمجرم في السجن لعشرات السنين متمتعا بالحقوق المخولة له من مأكل ومشرب و صحة، ثم يخرج في أتم الاستعداد لمعاودة الفعل بأكثر حرفية و أكثر انتقامية، فهي في نظري أم المهازل في حين تموت عوائل الضحايا في اليوم عشرين ألف مرة. من يسترد لهم حقهم المهدور المغدور؟
هناك خلل ما في التعاطي مع الجريمة من هذا النوع، ففي تونس لم نستوعب أبدا مبررات إغتصاب عجوز ال98 سنة بالقيروان في الحادي و الثلاثين من شهر أوت الماضي، و في أقل من شهر على تلك الجريمة، يعاد إغتصاب الحرائر و الماجدات بشكل شبه ممنهج دون أن تكون القوانين رادعة و لا الأخلاق، ففي بعض البلدان مثل المغرب، يتم جبر ضرر الضحايا عبر الإخصاء الجراحي للمغتصبين و إنهاء حياتهم الجنسية، و استئصال خصياتهم نهائيا ليكونوا عبرة لمن تخول له نفسه العبث بشرف العائلات، ما دامت القوانين الجزائية أخفقت في الحد من جرائم التي تذهب ضحيتها الفتيات والنساء.
اليوم السيد عبد اللطيف العلوي، النائب عن إئتلاف الكرامة، يصرح أن معركتهم القادمة ستكون إعادة تفعيل عقوبة الإعدام الذي وقع تعليقه منذ 1991 مشيرا أن المغتصب هو أيضا “إرهابي شرف”، و العبارة له، متسائلا عن معنى أن يقتل إرهابي أبناءنا و لا يُعدم، و العبارة أيضا له…
في تونس أزمة نفسية عميقة لدى الذكور
هنا يتفق أغلب التونسيون مع أطروحة عبد اللطيف العلوي و مع كل شريف يقف ضد ممارسات الخنازير وضد الإنفلات الغرائزي الذي لا يخلف إلا الأخاديد النفسية العميقة في نفوس الضحايا وعائلاتهم و يحدد في المستقبل حتى توجهاتهم و رؤيتهم للإنسان وللمجتمع الذي يعيشون فيه.
في تونس، كل يوم جريمة إغتصاب، ما يعني أزمة نفسية عميقة لدى الذكور و أزمة تربية و ثقافة عموما، ثقافة جنسية تحت الصفر…
للحد من هذه الجروح اللامتناهية لا بد من المرور إلى الإخصاء الجراحي و رد الإعتبار للضحايا أو تطبيق عقوبة الإعدام دون إبطاء ذلك أن طول فترات التقاضي يُفقد العدالة معناها، فقط جرّبوا و تمعنوا في الاحصائيات، و سترون كيفية انحسار الظاهرة و انتهائها بصفة جذرية…
* محلل.
شارك رأيك