يقال: “خطأ شائع خير من صواب مهجور”. أوّل ما يتبادر إلى الأذهان عند قراءة هذه المقولة هو حتمية الإختيار بين أمرين لا مجال للربط بينهما. فالخطأ يظل دائما خطأ وما هو مهجور لا يعقل أن يكون صوابا. فالصواب يظل دائما صوابا وإذا هُجر فمعنى ذلك أنّه مجافٍ للصواب.
بقلم فتحي بن حميدان *
اللغة العربية ثرية ولغة الضاد تغار منها لغات العالم لوضوح قواعدها وإن تعدّدت. الخطأ الشائع والصواب المهجور تعلّة يلجأ إليها البعض لغاية في نفس يعقوب.
كاتب هذه السطور لا يدّعي في العلم فلسفة ولا ناقة له ولا بعير ولا يصبو إلى أن يكون مُصْلحًا. هذا، وقد يرى أشخاص عديدون في هذه السطور ضربا من الغرور والتعالي لكن، والحق يقال، كثرت الأخطاء اللغوية وتعددت وتنوّعت في السنوات الأخيرة في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية. فأصبح المرء يشعر بالاشمئزاز كلّما لَحَن أحد أو أخطأت صحيفة أو قناة في قواعد اللغة البديهية. صارت الأخطاء في الممنوع من الصرف مستفحلة وأصبح تطبيق قواعد النواسخ من أخوات “كان” وشقيقات “إنّ” من الكماليات. أمّا عن قاعدة العدد والمعدود فحدّث ولا حرج. فيما يلي، وبإيجاز، مثالان للبعض من هذه الأخطاء، دون ذكر مصدر الخطأ من صحيفة أو إذاعة أو قناة تلفزيونية.
نسمع في الكثير من الأحيان جملا من قبيل: “حضر الجلسة خمس وعشرون نائبا وتسعة عشر ممثلة”، و”صوّت ضدّ المشروع مائة واثنتا عشر مندوبة…” قاعدة العدد والمعدود بسيطة وواضحة. بالنسبة للأعداد من 3 إلى 10 يذكّر العدد مع المؤنث ويؤنّث مع المذكّر (خمسة أولاد وتسع بنات). وبالنسبة للعددين 11 و12 نقول أحد عشر طالباً وإحدى عشرة أستاذة. أما فيما يخص الأعداد من 13 إلى 19 – وهي الأعداد المركّبة – فيذكّر الجزء الأول ويؤنّث الجزء الثاني مع المعدود المؤنّث (خمس عشرة محامية) ويؤنّث الجزء الأول ويذكّر الجزء الثاني مع المعدود المذكّر (خمسة عشر قاضياً).
من ناحية أخرى، نجد أنّ الأخطاء في استخدام النواسخ شائعة جداً، إذ غالباً ما يُنصب اسم كان وأخواتها ويُرفع خبرها، وأحياناً يرفع اسم إنّ وأخواتها وينصب خبرها. هذا، ومن الأخطاء الشائعة التي يمكن تلافيها بسهولة، بمجرّد استيعاب القاعدة وتطبيقها على النحو السليم، تجدر الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى الأخطاء في كتابة الهمزة.
لقد صدرت كتب نحو وإملاء عديدة متعددة طويلة مطوّلة حول موضوع الهمزة وطريقة رسمها، في حين أنّ القاعدة يمكن تلخيصها في بضعة سطور. فالهمزة في بداية الكلمة والهمزة المتطرفة قاعدة رسمهما واضحة لا لبس فيها. الإشكال الرئيسي هو عندما تكون الهمزة متوسطة (أي في وسط الكلمة). في هذه الحالة، لا بد من مراعاة حركة الهمزة وحركة ما قبلها. عندما تكون الهمزة متحركة ويكون ما قبلها ساكناً تكتب حسب حركتها (يرْأس)، ومتى كانت ساكنة وكان ما قبلها متحركاً كُتبت حسب حركة ما قبلها (رأْس). أمّا إذا كانت هي متحركة وكان ما قبلها متحركاً أيضاً فتكتب حسب الحركة الأقوى. أقوى الحركات الكسرة تليها الضمة فالفتحة فالسكون. من أمثلة ذلك: يَئِس، سَئِم، سُئِلَ، يؤول، يؤدِّي، يُؤَسّس، ارتُئي، اللاجئون، الناشئون…
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى وجود نوع من التصرف الغريب في كتابة بعض الألفاظ من قبيل لفظتي “رءوف” و”موءودة”. أليس من الأصح لغوياً أن تكتبا “رؤوف” و”موؤودة”، علماً وأنّ الهمزة متحركة وما قبلها متحرك في المثال الأول، وهي متحركة وما قبلها ساكن في المثال الثاني؟
في الختام، لا بد من التنويه بخطأ شائع قد لا يعتبره البعض خطأ لغوياً، ولو أنّ قواعد اللغة تفيد بعكس ذلك. فكيف يمكن يا ترى تبرير صحّة ما يتردد في بعض وسائل الإعلام، بعد آذان الصلاة، في الدعاء الذي يلي الآذان مباشرة، ونسمع فيه: “…وابعثه (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) مقاماً محموداً الذي وعدته…”؟ كلمة “مقام” نكرة والاسم الموصول “الذي” أداة تعريف، فهل يستقيم الجمع بين الاثنين في جملة واحدة؟ الأصح والأنسب لغوياً القول: “وابعثه المقام المحمود الذي وعدته”، مع أنّ الصيغة الأولى هي الصيغة المعتمدة في رواية صحيح البخاري لدعاء إجابة النداء.
والله أعلم.
* موظف دولي سابق و أستاذ جامعي.
شارك رأيك