راهن الكثيرون على أن الزمن كفيلٌ بالقضاء على فيروس كورونا، لكن المرض برهن للجميع أنه قادر على جعل البشرية تنتظر المزيد من الوقت، ولتبقى حبيسة البيوت والكمام والمعقمات لفترة أطول من الزمن، لم نشهد على طول فترات عمرنا وعمر آبائنا وأجدادنا أنْ ضرب فيروسٌ العالمَ بهذه الطريقة، ولم يحدث أن فتك مرض بالناس بهذه الصورة المفزعة التي أدهشت العالم أجمع وأنهكتْه، وجعلت حكامه مذهولين لا يدرون ماذا يفعلون مع شعوبهم التي تصارع من أجل البقاء.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
إنه فيروس من نوع خاص، بعضهم أرجعه إلى قدرة الخالق عز وجل على فِعل ما يشاء، ويبتلي عباده بما يشاء، وينبغي التسليم بقدر الله الذي لا مفر منه. وبعضهم قال إنه فيروس صنعته الصين لإرباك الولايات المتحدة الأمريكية، وتسيّد العالم، وهناك أقوال أخرى دخلت في مرحلة من الشعوذة الفكرية التي استهوت بسطاء الناس حتى ظن بعضهم أنه يملك الدواء لهذا الداء.
الضيف الثقيل الذي مازال يفتك بالبشر
تداخلت الأفكار وتعدّدت الاستنتاجات والاستنباطات، وازدادت التكهنات، وكُتبت المقالات، وانتشرت الفيديوهات، وحُبكت النكات، والقصص والحكايات على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل موسع ومخيف ومرعب أحيانا يدعو إلى القلق والحيرة والخوف من المجهول، الفيروس الذي طرأ على حياتنا ولم يُرد الفكاك، واستقر في جنبات العالم وأركانه، فكان الضيف الثقيل الذي مازال يفتك بالبشر ويوقعهم موتى ومرضى، ويؤثّر على الحكومات والاقتصاد والحياة العامة، أجبر الجميع على الاستسلام، والرضوخ والخنوع إلى كل الإجراءات وإلا مواجهة المصير المحتوم الذي لا حياة بعده إلا الفناء من الدنيا إلى الأبد، في كيس ممدود يرمى في حفرة بواسطة جرار لا تمسه الأيدي، ويُرى من بعيد، كيف يسير إلى قراره الأخير، حيث يرقد إلى جوار ربه إلى يوم الميعاد.
لم يكن الفيروس مرضا عابرا بل استوطن وأوغل في إيذاء الناس على طول البسيطة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، يجوب كل الدول بلا طلب ولا استئذان، رغم ادعاءات البعض بأنه سحابة ستمر سريعا، ومازال مؤثرا إلى اليوم ويبدو أنه سيبقى شهورا وربما سنوات ولا تنقضي أيامه، وقد بدا المسؤولون في كل دولة عاجزين عن مواجهة هذا الطاعون الذي استفحل بشكل مخيف وبرهن على ضعف الإنسان في التحليق بعيدا عن هذه الأضرار، رغم ادعاء كثير من الدول أنها توصلت إلى لقاحات يمكن ان تفيد المصابين الذين تجاوزوا ال36 مليونا على مستوى العالم، وبدا هذا المرض كأنه سيعيش مع الناس ولا يريد أن يقطع صلته بهم، وهنا يمكن أن نطرح سؤالا مهما ما مدى التأثير النفسي الذي يسببه هذا الفيروس على الإنسان؟
ينصب تفكير المسؤولين على الحالة الصحية دون الحالة النفسية
من المعلوم أن فيروس كورونا طال أمده، ولم يكن كالفيروسات التي سبقته، والتي كانت تضرب دولا بعينها، وتضمحل بعد فترة وجيزة دون أن تكون لها تأثيرات هائلة على الاقتصاد العالمي، ودون أن تتوقف حركة الطائرات في السماء ودون أن تتأثر حركة السياحة، ولا حركة المصلين في المساجد ولا المتعبدين في الكنائس والمعابد، بل كان فيروسا شرسا عابرا للحدود، يضرب بقوة ولا يرحم أحدا، مما أثر على الحالة النفسية للعباد، وسبب حالات من الفزع الشديد والخوف الرهيب وأحدث فوبيا كبيرة في صفوف الآمنين، كأنه إرهاب نفسي جديد أو رهاب من التلبس به في أي وقت كان، فرض تعليمات جديدة وقيودا كبيرة وأغلالا في أعناق الناس إلى حين، وأحدث أمراضا نفسية حتى لدى المتعافين، كالاكتئاب والقلق والخوف وعدم الاطمئنان، والانفصام، وعدم الثقة في النفس، وزاد الشكّ والظن، وزادت الوسوسة والوشوشة، حتى ظن الصحيح أنه مريض، وبدت علامات التوتر الشديد على كل خائف، وربما أدى ذلك إلى المرض نفسه أو اصطناع المرض، وظهرت علامات الاضطراب في التعاملات والعلاقات، وانهارت نفوس كثير من الناس بسبب انتشار هذا الفيروس الغريب.
لم يكن يدرك العالم مدى خطورة الفيروس على الحالة النفسية للجميع خاصة الكبار وأصحاب الأمراض المزمنة، وقد تكون كارثية في بعض الأحيان أو في بعض المناطق، فالدول الآن ينصب تفكيرها على الحالة الصحية دون الحالة النفسية، والحال أن الحالتين مرتبطان ببعضهما البعض، فلو وفرت الدول أطباء نفسيين بموازاة الأطباء الصحيين لقضينا على نصف الإصابات أو أكثر، إذا يبدو أن كثيرا من المصابين يتعاملون مع المرض بخوف شديد دون أن تكون لهم الجرأة في المقاومة والتقيد بالإجراءات اللازمة وعدم تهويل الأمر، لذلك قد نجد من يفعل ذلك من تلقاء نفسه وتظهر عليه العزيمة والإصرار والتحدي في تخطي هذه الأزمة بكل قوة، وهكذا نجد الناس أمام امتحان حقيقي في ظل تعاظم الإصابات مرة أخرى وعدم استعداد الدول جميعها إلى الإغلاق التام ثانية لأنها ستخسر كل شيء إن فعلت.
شارك رأيك