في تعليق على مقال الأستاذ فتحي بن حميدان “الأخطاء اللغوية بين الخطأ الشائع والصواب المهجور” الصادر في أنباء تونس يوم 30 سبتمبر 2020 و كتتمة لهذا المقال يتعرض كاتب هذا المقال إلى أخطاء شائعة أخرى في وسائل الإعلام و في تصريحات السياسيين.
بقلم محمد صالح حمايدي *
زيادة على ما تعرض له مقال الأستاذ فتحي بن حميدان و أحصاه من أخطاء أصبحت شائعة في الكتابات و المقالات الصحفية، هنالك أخطاء فضيعة أخرى أصبحت من المألوف عند صحافيينا و تلفزاتنا و محامينا و قضاتنا و خطب سياسيينا الرسمية و حتى في نصوصنا التشريعية و الترتيبية و سأذكر البعض منها و أعطي تصويبها….
التعامل مع المهموز، مصدرا و صفة مشبهة:
99 في المائة من الصحافيين و التلفزات و الدوائر الحكومية يكتبون و ينطقون المصدر من “اقتصد” و “اجتمع” و “انتخب” و… هكذا “الإقتصاد” و “الإجتماع” و “الإنتخاب”… و ما ينجر عن ذلك من صفة مشبهة: “الإقتصادية” و “الإجتماعية” و “الإنتخابية”. أي بوضع همزة تحت الألف و نطقها و الصحيح هو “الاقتصاد” (الاقتصادية)، “الاجتماع” (الاجتماعية)، “الانتخاب” (الانتخابية)…
أما القاعدة فهي سهلة جدا و ثابتة لا تتغير: المصادر من الأفعال المزيدة بحرف التي هي على وزن “أَفْعَلَ” مثل أصدر و أعلم و أضرب و أرسل و أنتج و أحبط و أضمر، و أرهب… هي فقط التي يكون مصدرها بالألف المهموز. فنقول و نكتب الإصدار، الإعلام، الإرسال، الإحباط، الإضراب، الإضرام، الإرهاب…
أما بقية الأفعال الأخرى المزيدة بحرف و التي على وزن “افتعل”(اقتصد، اجتمع) و “انفعل”(انتخب، انحدر) أو أكثر “استفعل” (استشار، استقام، استقال، استقل، استغل) فلا يكون مصدرها بالألف المهموز. فننطق و نكتب: الاجتماع (الاجتماعي، وزارة الشؤون الاجتماعية) الاقتصاد (الاقتصادي، وزارة الشؤون الاقتصادية)، الانتخاب (القائمات الانتخابية، مركز الانتخابات) الاقتراع (ورقة الاقتراع)، الاستقلال، الاستثمار، الاستغلال…
المجزوم بلم:
في النحو العربي إذا دخلت أداة “لم” على الفعل المضارع فهي تجزمه. و القاعدة العامة أن آخر الفعل يجزم بالسكون. فنقول: لم أَلْعَبْ، لم أَشْرَبْ، لم أَجْلِسْ…
و لكن كيف لي أن أجزم بالسكون فعلا مضارعا آخره حرف علة مثل رأى، مشى، نوى، أتى، بنى…
في هذه الحالة يتم الجزم بحذف حرف العلة فنقول: لم أَرَ، لم أَمْشِ، لم يَنْوِ، لم تَأْتِ، لم يَبْنِ…
و هذا النوع من الخطإ نجده شائعا بنسبة تقارب 100% في الكتابات الصحفية و على صفحات الفايسبوك و حتى في البلاغات الرسمية.
حكم الفعل المعتل في الأمر:
الفعل المعتل هو الفعل الذي أحد حروفه لما يكون مجردا (أي وزن فعل) حرف علة. و حروف العلة هي الياء و الواو و الألف و الألف المقصورة (ى). و الفعل المعتل تكون علته إما في الفاء و يسمى مثالا (وجد) أو في العين ويسمى أجوفا (نام) أو في لام “فعل” (مشى) و يسمى ناقصا…
و هناك أفعال تحمل أكثر من حرف علة و تسمى لفيفا. و يكون هذا اللفيف مقرونا أي أن عين الفعل و لامه ناقصان (روى). و بما أن الأمر يجزم الفعل (الْعَبْ، اجْلِسْ) فإن جزم الفعل المعتل يكون بحذف الألف المقصورة فنقرل “ارْوِ”.
و هنالك اللفيف المفروق أي أن حرفي العلة مفرقان مثل (وقى) فيكون الأمر من هذا الفعل “ق”؛ فنقول “ق نفسك من الأمراض”.
حكم الشرط و جواب الشرط :
عدم احترام هذه القاعدة تعاني منه أيضا و بكثرة النصوص المكتوبة من طرف صحافيينا و كتابنا و محدثينا.
القاعدة تقول أنه إذا كان هنالك تحقيق فعل يتوقف على شرط فإن فعل الشرط و فعل جوابه يكونان مجزومين (راجع قاعدة جزم الأفعال التي تتم إما بالسكون أو بحذف الحرف الأخير من الفعل).
مثال ذالك: “ازْرَعْ (شرط) تَحْصِدْ (جوب الشرط)، “ارْمِ” (شرط)” تُصِبْ فريستك” (جواب الشرط).
غير أننا نسمع في إذاعاتنا و تلفزاتنا و نقرأ في صحفنا… “دَعْنِي أَقُولُ لَكَ” وهو خطأ. و الصواب” دَعْنِي أَقُلْ لَكَ”. خطأ آخر”اسمحلي أُجِيبُكَ” الصواب: ” اسمحلي أُجِبْكَ”.
حكم المدغوم:
المدغوم هو الفعل الذي يكون آخره من حرفين من نوع واحد أي “ر” و “ر”، أو “د” و “د”، أو “ل” و “ل”… فيدغم الحرفان في بعضما عن طريق الشدة فيصبحان حرفا واحدا مشددا مثل: مَرَّ، و أصلها مَرَرَ، و حَلَّ، و أصلها حَلَلَ، و أَصَرَّ، و أصلها أَصْرَرَ و اسْتَقَرَّ، و أصلها اسْتَقْرَرَ، و اسْتَقَلَّ، و أصلها اسْتَقْلَلَ، و استغل و أصلها اسْتَغْلَلَ…
فمثل هذه الأفعال التي تحمل حرفا مدغوما عندما تصرف في الماضي مع الضمائر أنا، أنتَ، أنتِ، أنتما، نحن، أنتم، أنتن، يفك الإدغام. فنقول و نكتب حَلَلْتُ و ليس “حليت” و أَصْرَرْتُ و ليس “أصريت” و مَرَرْتُ و ليس “مريت” و اضْطَرَرْتُ و ليس “اضطريت” و اسْتَغْلَلَتُ و ليس “استغليت”…
و هذا الخطأ شائع جدا في حديث و كتابات حتى أكبر المثقفين.
حكم الاسم و النعت المنتهي بحرف “ي” عندما يكون نكرة مثل الوالي و المحامي و الرامي… من الأسماء؛ و العالي و الغالي و البالي و الداني و السامي… من النعوت.
إذا كان الإسم المنتهي بياء، نكرة (أي بدون الألف و اللام) فإن رفعه و جره يكونان بحذف الياء. فنقول و نكتب: فلان الفلاني “وَالٍ”، “مُحَامٍ، “رَامٍ”. ذهبت إلى وال، دخلت على رام (الذي يشتغل بالرماية)، مكتب محام.
أما إذا كان منصوبا فيسترجع الياء فنقول صافحت واليا، زرت محاميا، شجعت راميا…
و تنطبق نفس القاعدة على النعت فنقول حائطٌ عَال.
و من المضحكات المبكيات أن التونسيين يعتقدون أن كلمة “عال” مستقلة بذاتها وهي في الواقع ليست إلا رفعا أو جرا لعبارة “العالي” عندما تكون نكرة. فيكتبون مثلا “شامية عال العال” أو “مربى مشمش عال العال”. و الصحيح هو “شامية عالية الجودة” أو “مربى مشمش عالي الجودة. لأن كلمة العالي قد وقع تعريفها بالمضاف إليه و لم تعد نكرة.
سمعت أمير المؤمنين يلحن فلحنت، طاعة له:
سأل الحجاج بن يوسف أعرابيا يشتغل بالقصر الأميري: كم تتقاضى في السنة؟
فأبه: ألفين.
فاغتاض الحجاج و رد عليه: ويحك! أتحلن (أي تُخطئُ في اللغة) و أنت الأعرابي؟! (الأعراب كانوا يتقنون اللغة العربية، على خلاف سكان المدن).
فاستدرك الأعرابي قائلا: ألفان.
فرد عليه الحجاج : لماذا لَحَنْتَ عندما سألتك أول مرة؟
فأجابه الأعرابي: سمعت أمير المؤمنين يلحن فلحنت، طاعة له.
فضحك الحجاج و عفى عنه و جازاه.
* رئيس مدير عام سابق لعدد من المؤسسات العمومية و خبير دولي في قانون تعديل هيئات الأسواق المالية.
شارك رأيك