بعد انقضاه أجل العام الذي منحه الدستور لقيام المحكمة الدستورية ولم تنشأ في بحره، ندخل العام السادس ونظامنا شاغر من هذه المحكمة المنتظرة، التي بدونها لا نظام متكامل ولا استقرار كما نشاهد، ولا تقدم. وكأنه لا وزر يترتب على هيئة من الهيئات المسؤولة بسبب هذا الإخلال، بينما يسقط الحق بسقوط الأجل في كثير من القضايا العادية وتجوز على أصحابها العقوبة للعبرة ودفاعاً عن القانون.
بقلم الدكتور المنجي الكعبي *
فترة العام المقررة دستورياً لإنجاز هيئة المحكمة كان يمكن أن تمدد بتشريع لا إهمال الالتفات اليه عبر هذه السنين. فذلك مشجع على التواصل في تجاهل القوانين والدساتير والأحكام الانتقالية.
ونبقى نتحدث عن الاستقرار والأمن والتقدم. ولكن إذا كانت العلة تكمن في الهيئات الدستورية القائمة، أو إحداها فلا مناص من اتحاذ اجراءات لحلها مثلاً وإعادة تركيبها أو انتخابها، لأن العلة قطعاً تدور مع المعلول. أي عدم ارتقاء هذه الهيئات أو بعضها بمستواها التمثيلي للمهام المناطة بعهدتها هو السر. لأن محكمة يتطلب انتخاب أعضائها ثلاثة أرباع المصوتين لها في المجلس النيابي في جزء من أعضائها، أو في هيئة القضاء العليا في جزء ثان منها، لا يمكن لتمثيل نيابي منبثق عن نظام انتخابي معين تحقيق نصابها أن نعْدل عن ذلك النصاب الى الحط من النسبة المطلوبة من الأصوات لها. لأن الأساس الانتخابي المناسب هو المطلوب لها وليس العكس. فناخبيها يجب أن يكونوا في مستوى ما هو مطلوب منهم تحقيقه لا النزول بالمحكمة العليا الى الدرجة الأدنى من الأصوات المقررة لها مراعاة للتشتت القائم في الهيئة الناخبة.
كما لا يمكن للأهمية ذاتها فك التتابع في انتخاب أثلاث أعضائها حسب النظام المقرر دستورياً. لأنه إجراء غير اعتباطي ولكن لغايات سامية في هيكلتها، حتى يتحقق الانسجام داخلها والتوازن والتكافؤ.
فالدعوة الى إسقاط عبارة “تباعاً” في المقترح المعروض أو المشروع المعروض للتنقيح في قانون المحكمة الدستورية هو بمثابة تمتيع للهيئة الناخبة بالسهولة غير المتعينة في حقها على حساب التصويت بالتتابع المقدر والمقرر هيكلياً للمحكمة، منَعة لها من كل تأثير حزبي أو توافقي مبيت لظروف نيابية منعت الى حد الآن من قيامها أصلاً.
فالإشكال سيبقى قائماً، تقديم الناخبين في الاعتبار أو تقديم المحكمة على الناخبين. فليس من حق غير المؤهل لمهمة أن يتولى أمرها وهو دون مستواها في أبعادها العليا وأهدافها وغاياتها.
فإذا كان لا بد مما ليس منه بد فليتولّى القائمون على الحياة السياسية مسؤولياتهم الأدنى لحفظ النظام من التهالك والدولة من التهاوي، بسبب جر الأمور من خلف كل هذه السنوات الماضية.
ولأنْ تردّ الأمور كما قال المرحوم عبد الفتاح عمر الى رئيس الجمهورية لتمثيل المحكمة في شخصه، فهو الأفضل، وأضيف له، إذا ما قام عليه استفتاء، أو حتى بصورة وقتية كما تمنح فلسفة نُظم الحكم فترة وقتية للحكم الاستبدادي المسمى ديكتاتورياً عند خير الدين باشا، تمنح للأمم في الأزمات والفتن الداخلية تعود بعدها الدولة لممارسة نظامها العادي.
* باحث جامعي و نائب سابق.
شارك رأيك