تعتبر الرقمنة اليوم من بين التحولات الهامة في المجتمعات و المؤسسات اذ أنها تعبر عن نمط جديد من العيش معتمدا على التكنولوجيا و على ممارستها و الانتفاع بخدماتها. و لبلوغ الاهداف القصوى من استعمال الرقمنة في حياة المجتمع وجب اعداد عدة معطيات أولية و هامة التي من شأنها بناء أسس هذا النمط الجديد من الحياة و الذي يعتبر أسس الثورة الصناعية الرابعة.
بقلم توفيق حليلة *
من هذه المعطيات الأولية الهامة نذكر أهمها :
1/ توفير مستوى تعليمي محترم لكل المواطنين مما يمكنهم من استغلال الأدوات و المنظومات الرقمية في حياتهم اليومية .
2/ توفير بنية تحتية رقمية ذات جدوى تعتمد على تركيز شبكات اتصال حديثة لتمكين المواطنين من الولوج الى الخدمات المقدمة عبر سعة عالية او سعة عالية جدا.
3/ إرساء ثقافة رقمية عند المواطنين و ذلك بترسيخ المعاملات الرقمية في حياتهم اليومية مما ينجر عنه مزيدا من الشفافية و العدالة في المجتمع مع المحافظة على المعطيات الشخصية و على القيم الأخلاقية .
4/ ترسيخ حوكمة رقميه رشيدة معتمدة على أدارة مرقمنة من شأنها تقديم جل الخدمات للمواطنين عبر الخط دون تمييز او مجاملة و التي يجب ان تمس كل المجالات الاقتصادية و الاجتماعية بما فيها الخدمات الصحية و العدلية و التربوية و المالية و الثقافية و الخدمات الموجهة إلى المواطنين التونسين بالخارج و الموجهة للأجانب الذين يؤدون زيارات ألى تونس في إطار الاعمال أو السياحة .
نسبة نمو القطاع لم تكن في مستوى الانتظارات
إن تقييم الوضع الحالي الذي توجد فيه تونس من ناحية التطور الرقمي يجرنا إلى القول أنه و رغم العديد من البرامج التي تم التخطيط لها للنهوض بهذا المجال منذ 2011 إلا أننا نسجل أن نسبة نمو القطاع لم تكن في مستوى الانتظارات إذ أنه وبعد الثورة تمت بلورة برنامج رقمي وطني سمي بـتونس الرقمية 2014 –2020 تم فيه حصر جل المؤشرات الرقمية في أهم المجالات الاجتماعية و الاقتصلدية التي يجب بلوغها في اواخر سنة 2018 ( لم يتم حصر المؤشرات لسنة 2020 ) إلا انه و مع الأسف فان النتيجة لسنة 2019 هي بعيدة في غالبها كل البعد عن الانتظارات والتي نقدم بعض مؤشراتها كما يلي:
1/ في القيمة المضافة للقطاع في الناتج الوطني الخام:
-المؤشر: الترفيع في القيمة المضافة للقطاع في الناتج الوطني الخام من 4000 مليون دينار سنة 2014 الي 14000 مليون دينار سنة 2018
-الحصيلة : ان قيمة أضافة القطاع في الانتاج الوطني الخام في سنة 2019 قدرت بـحوالي 5100 مليون دينار هو مؤشر ليس في المستوى المطلوب.
2/ في نسبة العائلات المرتطبة بالانترنات:
-المؤشر : الترفيع في نسبة العائلات المرتطبة بالانترنات من 20 % من مجموع العائلات التونسية سنة 2014 الي 60 % سنة 2018
-الحصيلة :ان نسبة العائلات المرطتبة بالانترنات سنة 2019 هي 51.5 % و هررقم فيه تقدم لكن يحب العمل على تحسينه
3/ في التشغيل:
-المؤشر : الترفيع في خلق مواطن الشغل السنوية في ميدان تكنولوجيا المعلومات و الاتصال من 7500 موطن شغل جديد سنويا سنة 2014 الى 25000 سنويا سنة 2018
-الحصيلة : ان نسبة احداثات مواطن الشغل في ميدان تكنولوجيا المعلومات و الاتصال لم تتجاوز سنة 2019 عدد 5000 موطن شغل و هو رقم هزيل بالنسبة للانتظارات .
4/ في مستوى النفاذ الى الشبكات ذي السعة العالية و العالية جدا القارة:
-المؤشر : المرور بنسبة النفاذ الى السعة العالية و العالية جدا عبر الشبكة القارة الارضية من 4.9% سنة 2014 الي 10 % سنة 2018الحصيلة : ان نسبة النفاذ الى السعة العالية و العالية جدا عبر الشبكة القارة الارضية وصلت الى 10.33% سنة 2019 ( حوالي 1188000 منخرط على 11.5 مليون نسمة) وهو مؤشر مقبول الا أن دراسة توزيع هذه الأرقام تبين ما يلي :
– إن نسية النفاذ عبر الخطوط النحاسية ذي السعة الرقمية الغير متوازية العالية وصلت الى نسبة
6.63 % سنة 2019 (حوالي 763000 منخرط ) وهو مؤشر قابل للتحسن.
– إن نسية النفاذ الى السعة الرقمية العالية جدا عبر الخطوط النحاسية وعبر الألياف البصرية وصلت الى نسبة 0.44 %. سنة 2019 (حوالي 25000 منخرط عبر الخطوط النحاسية او25000 منخرط عبر الألياف البصرية ) وهو مؤشر دون المستوى المطلوب.
– إن نسية النفاذ الى السعة العالية جدا عبر تكنولوجيا الرادوتية القارة وصلت ألى نسبة 3.26 %. سنة 2019 (حوالي 375000 منخرط) وهو مؤشريجب دراسته وتقييمه.
5 / في مستوى النفاذ الى الشبكات ذات السعة العالية الجوالة:
-المؤشر : المرور بنسبة النفاذ الى السعة العالية عبر الشبكة الجوالة من 8.9% سنة 2014 الي 50 % سنة 2018.
-الحصيلة : ان نسبة النفاذ الي السعة العالية عبر الشبكة الجوالة و صلت سنة 2019 الى 77.5 % و هو مؤشرحسن.
إن المتمعن في هذه المعطيات و المؤشرات من شأنه التأكد من أنه هناك مشاكل عويصة بين تخطيط البرامج و تنفيذها أذ ان المؤشرات التي تم ترسيمها سنة 2014 للبلوغ بها سنة 2018 كان بالامكان الوصول اليها كليا أذا تم تجاوز المعوقات التي نذكر منها خاصة ما يلي :
1) عدم وجود رؤية واضحة من طرف الحكومات التي تداولت على تونس منذ سنة 2014 لترسيخ مجتمع رقمي متطورمن شأنه النهوض بالمعاملات الاقتصادية داخليا و خارجيا و خلق مواطن شغل هامة للشباب المتخرج سنويا من الكليات في هذا المجال و الذي يبلغ تقريبا معدل 12000 شاب متحصل على دبلوم في تكنولوجيا المعلومات الاتصال .
2) عدم تركيز خطة للتنسيق أ فقيا بما فيه الكفاية بين وزارة تكنولوجيا الاتصال مع الوزارات الاخرى فيما يخص المشاريع الرقمية التي تهمها و ذلك بعدم ترسيخ طرق تعامل تكون متفق عليها و مزكاة من طرف رئاسة الحكومة لتنفيذ برنامج تونس الرقمية2014-2020
3) عدم توفق جل الأطراف المتداخلة في تنفيذ برنامج تونس الرقمية 2014-2020 في تجميع الموارد المالية التي وجب استثمارها لأنجاز المشاريع التي تمت برمجتها.
4) عدم النجاح في استغلال موارد الصندوق الوطني للاتصالات لتنفيذ العديد من الشاريع رغم أن موارده تبلغ سنويا حوالي 140 مليون دينار
5) عدم النجاح في تركيز برنامج وطني في النفاد لشبكة الاتصال ذات السعة العالية مصادق عليه من كل الأطراف المتداخلة و الذي كان بامكانه تغير العديد من مؤشرات القطاع في الميدان الاجتماعي و الاقتصادي.
6) عدم انشاء خطة وطنية لتركيز شبكة أتصال ذي سعة عالية جدا و ذلك رغم كل الدراسات التي تمت في هذا المجال و رغم أهمية هدا البرنامج في النهوض بتونس و ادخالها في الثورة الصناعية الرابعة من الباب الكبير .
7) – عدم تقديم جل الوزارات و المؤسسات الحكومية التشجيع اللازم للشركات الوطنية المنتجة للمنظومات المعلوماتية و ذلك عبراقتناء منتوجاتها التونسية عوض أ قتناء منظومات و برمجيات أجنبية و الذي من شأن هذا التشجيع أن يساهم في تطويرمردودية الشركات الوطنية و المساعدة في فتح المجال لها لأقتحام اللأسواق الخارجية .
8) عدم وضع خطة فنية و أقتصادية من شأنها جعل تونس مرفـأ شبكاتي اتصالي عالمي هام بين افريقيا و البحر المتوسط رغم أرتباطنا مع اوروبا بأربعة كوابل أتصالات بحرية .
وبالتالي و للنهوض بالقطاع في السنوات الخمس القادمة فإنه وجب ما يلي :
1- العمل على نشر الثقافة الرقمية عند المواطنين و ذلك بتشجيعهم على استعمال التطبيقات الرقمية في حياتهم اليومية و خاصة في علاقتهم مع الادارة و ذلك باعتماد استعمال الخدمات على الخط المتوفرة و المطالبة بخدمات اخرى و يكون هذا العمل عبر التنسيق بين الحكومة و القطاع الخاص و المجتمع المدني مع العمل على توفير الامكانيات المادية و المعنوية لذلك .
2- رقمنة برامج الدراسة في الابتدائي و الاعدادي و الثانوي و العالي و وضع سياسة وطنية في هذا المجال مع مؤشرات يجب الوصول أليها سنة 2025 .
3- الرقمنة الكلية لمجالات الصحة عمومية كانت او خاصة عبر تنفيذ البرامج التي تم استنباطها في هذا المجال منذ سنة 2014 و ذلك بالتنسيق بين القطاع العمومي و القطاع الخاص بما فيها تجميع الموارد المادية لذلك .
4- اتمام رقمنة قطاع العدل كليا و الذي تمت اأيضا برمجته منذ 2014 ليشمل كل المحاكم و سلك القضاة و المحامين و مساعدي القضاء وتركيز الربط البيني بين وزارة العدل و الوزارات الاخرى المتداخلة في هذا المجال.
5- اتمام تركيز الادارة الرقمية في كل الوزارات و ذلك بفض كل المشاكل الفنية لضمان تداخل و تعامل المنظومات المعلوماتية الوطنية بين بعضها و ضمان أن كل الخدمات الادارية في سنة 2025 تكون عبر الخط باستثناء الخدمات التي تتطلب حضور شخصي كعقود الزواج و التحقيقات العدلية
6- تركيز المنظومات المعلوماتية الاجتماعية لضمان خدمة العائلات المعوزة و تمكينها من الخدمات الأجتماعية و التضامنية و ذلك عبر تطوير منظومة المعرف الوحيد للمواطن و ترشيد الخدمات المسدات في هذا المجال.
و في الأخبر و لتنفيذ هذا البرنامج فاننا نطلب من الحكومة و المجتمع تحمل مسؤولياتهم التا ريخية في هذا المجال الذي سنطلق عليه أسم تونس الرقمية 2025 و ذلك بحصر المؤشرات التي يجب الوصول أليها و تركيز وحدة تنسيقية تعمل بين وزارة تكنولوجيا المعلومات و الوزارات الاخرى للتنفيذ الرشيد لهذه المشاريع و التدخل لفض مشاكل الأنجازات أن وجدت.
* رئيس الغرفة الوطنية لمدمجي شبكات الإتصال.
شارك رأيك