في غمرة انشغال العالم بوباءٍ عَمّهُ سُمّي فيروس كورونا، وبالأحداث السياسية والعسكرية في العالم وآخرها النزاع الأرميني الأذربيجاني، ولماذا سارع المجتمع الدولي لإنهاء حرب بدأت للتو بين أرمينيا وأذربيجان، ولم يبادر لإنهاء حرب دامت خمس سنوات في اليمن مع الذي يسمى التحالف ومازالت مستعرة بين الجانبين.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
بدأنا نفقد الأمل في أن يحظى اليمن السعيد بفسحة من النَّفس الجديد، وبدأنا نشعر وكأنّ اليمنيين يموتون ببطء شديد، ولا رأْيَ للأمم المتحدة سديد، ولا أفقَ للتحالف جديد، لإنهاء حرب مدمرة أكلت كل شيء في اليمن اليابس والطريّ، والناس في حيرة من أمرهم لا يجدون ما يسدّ رمقهم من الطعام واللباس والشراب سوى الأديم، وكأنّ اليمن ذاب وانتهى ولم يعد له وجود أبدًا، كل القنوات ولّت شطر وجهها لكورونا وترامب والتطبيع مع إسرائيل، ونسي العالم أن جزءا ما زال يئن تحت وطأة حرب لم يكن هو سببها بل فُرضت عليه وكأنّ السماء قد طُبقت على شعب لم يكد يرى النور حتى جاء الظلام وأدهسه وعسعسه.
إن اليمن دولة منسيّة في عالم المتغيّرات، وعالم الابتذال السياسي، وعالم التغوّل الاستعماري، ولم يعد للمنظمات الإقليمية والعربية والدولية وجود ولا تأثير، رجعنا للوراء كثيرا، وأصبحت سلطة الغاب هي السائدة، فجامعة الدول العربية تفككت ومرضت وانتهت، والأمم المتحدة تمارس الامبريالية بكافّة قواعدها الاستعمارية، في ظل وجود رئاسات دكتاتورية، تمارس التعسّف وتزدري الضعيف، وتقضي على البؤساء الذين لا يملكون إلا الدعاء، فلا قانون عالميا يسود الأرض، بل قانون الغاب هو السائد، والدليل الأكبر ما يجري في اليمن، من استنزاف للقوى البشرية واعتداء على الأرض اليمنية دون أي تدخّل أممي، فما الذي يجري في سقطرى مثلا هل هو احتلال أو استعمار أو استيلاء أو اعتداء على حرمة دولة أخرى كانت يوما تنعم بالاستقرار والهدوء؟
الإماراتيون يحتلون جزيرة سقطرى اليمنية
سقطرى تلك الجزيرة التي تعرضت يوما لاعتداء من الصليبيين، وصبر أهلها واستماتوا في الدفاع عنها لكن قوة العدو كانت أكبر وأعتى وأشد وأقسى على المواطنين في سقطرى لكن عندما استنجدت امرأة اسمها فاطمة الجهضمية الملقبة بالزهراء السقطرية بالإمام العماني الصلت بن مالك، أرسل للجزيرة سفنا حربية وأسطولا كبيرا لمواجهة الصليبيين وألحق بهم شر هزيمة لأنهم كانوا معتدين، واليوم يكرر التاريخ نفسه عندما احتل الإماراتيون هذه الجزيرة التابعة لجمهورية اليمن في تعدٍّ واضح وصارخ لتراب دولة مستقلة لها سيادتها، ولأن الجزيرة اليوم في حالة ضعف شديد، وليس هناك في العالم من يدافع عنها، ولا من يحذر الإمارات من مغبة الاستعمار الجديد، تمادى هؤلاء في احتلالها واستغلالها، وطرد أهلها، والتنكيل بكل معارض فيها، وجعلها قاعدة عسكرية للسيطرة على مواقع مهمة، خاصة وأن الجزيرة تقع في موقع جغرافي متميز وتنعم بطبيعة ساحرة، افتكها الإماراتيون واستغلوا ضعف أهلها واستولوا عليها بالقوة وعملوا مع الصهاينة من أجل تطويق إيران الدولة التي لا تعترف بإسرائيل ولا بالإمارات.
وفي شمال اليمن يمارس التحالف كل أنواع القصف العشوائي رغم تصدي قوات الحوثي لها إلا أن دوي الطائرات كان أقوى، ومازال الشعب اليمني الذي تفكك وتشرد يعاني ويلات الجوع والفقر والجهل، رغم المحاولات البائسة واليائسة من المجتمع الدولي الذي لم يعد يستطيع أن يفي بوعده ولا عهده، لأن كل المنظمات تسيّست وصارت تخضع للقوى الكبرى في العالم لا للقوانين الدولية والأعراف المجتمعية والإنسانية، فهل نسينا اليمن في غمرة الانشغالات بوباء كورونا، وترامب والانتخابات الأمريكية والحروب الأخرى الجديدة كالحرب الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان والتطبيع مع إسرائيل الذي يتصدر جميع الأخبار، وهرولة بعض الدول العربية نحوه، والتفكك البطيء لجامعة الدول العربية.
سرقة الشعب اليمني جهارا ونهارا من خلال تهريب الآثار
كان اليمن محطة رئيسة للعرب، كان اليمن يوصم بالسعيد لتنعّمه بالثروات الطبيعية التي حباه الله بها، وكان اليمن حضن الثقافات العربية شعرا وأدبا وبلاغة، وكان اليمن نسب العرب الأقحاح الذين يشتهرون بالكرم والعزة والإباء والقوة والمنعة، والقوة والدفاع عن الأرض فمنهم مالك بن فهم الأزدي والملكة بلقيس وأشهر ممالكه مملكة سبأ ومَعين وقتبان وحضرموت وحِمْيَر، وكان زاخرا بالثقافة والتراث الغني بمفرداته التاريخية، والأصالة العربية، واليوم وفي ظل الحرب الدائرة في اليمن تقع سرقة الشعب اليمني جهارا ونهارا من خلال تهريب الآثار اليمنية وتعرضها للنهب والعبث بحثا عن الكنوز وبالتالي فقد اليمن بريقه وإبداعه الثقافي الذي كان معتزا به طوال قرون من الزمن الماضي، وأصبح في مهب الريح.
نسينا اليمن اليوم ونسينا أن هناك شعبا يرزح تحت وطأة العذاب والحرب المدمرة والمرض والفقر والجوع، نسينا أن هناك شعبا عربيا يضمحل وينقرض شيئا فشيئا لتتبدل الخريطة العربية بعد التطبيع مع إسرائيل، فلا قوة عربية ولا قومية عربية توقف الزحف الصهيوني في المنطقة، فالكل منشغل عن الكل، وبقيت إسرائيل ومن معها ترتع في أدغال الثقافة العربية وتدنس كل شرعي تُغيّر وتُبدل كل عربي، وتسعى لإقامة دولتها الكبرى من خلال النبش في التاريخ اليهودي والاستيلاء على كل شبر كان اليهود فيه، والمطالبة بالتعويض في وقت ضعف العرب وصاروا لقمة سائغة للإسرائيليين والأمريكيين، فاليوم نسينا اليمن وغدا سننسى سوريا والعراق والصومال وليبيا وربما السودان وغيرها من البلدان، فيا ويحَ العرب من أنفسهم، ألهذا الحد وصل بهم الذل والهوان؟
شارك رأيك