في الرسالة المفتوحة الموجهة لرئيس الدولة قيس سعيد الكاتب يطلب من رئيس الجمهورية التفطن إلى خطر التصريحات الجهوية التي امتلأت بها الفضاءات السياسية والإعلامية و الرياضية و يدعوه إلى التدخل من أجل وضع حد لها الخطر التي يهدد وحدة المجتمع و الدولة.
بقلم مصطفى عطية *
سيدي رئيس الجمهورية،
أتوجه إليك بهذه الرسالة المباشرة علك تطلع عليها وتتمعن في مضامينها وتتخذ ما تخوله لك شرعيتك الدستورية وصلاحياتك التنفيذية من إجراءات عاجلة وحاسمة لإنقاذ اليلاد قبل فوات الأوان.
مد تحريضي عارم
لا شك أنكم لاحظتم أن الصرعات الجهوية قد تأججت في البلاد بشكل غير مسبوق لأسباب أصبحت معلومة لدى القاصي والداني وعاد الحديث عنها بشدة وكثافة في وسائل الإعلام المختلفة والمنابر المتعددة، ولعل أخطر هذه الأسباب وأكثرها تهديدا لرمزية “الوحدة الوطنية”، هذا المد التحريضي العارم والمشحون بالكثير من الحقد والكراهية والحسد والإنتقام والتشفي.
كيف يعقل، سيدي رئيس الجمهورية، أن يخرج الكثير من السياسيين والحزبيين والبرلمانيين ليجاهروا بكل صفاقة بعقدهم الجهوية والطبقية المقيتة دون أن تحرك هذه التصريحات الخطيرة والمحرضة على الفتنة ساكنا ؟! وكيف يجوز، أخلاقيا وقانونيا، أن يدلي رئيس جامعة كرة القدم بحديث تلفزيوني يقطر جهويات واستفزازات طبقية مرعبة، ولماذا سكتت السلط وغرست رأسها في الرمال بعد أن تجرأ مسؤولون في جمعيات رياضية وهددوا بحرب شوارع (هكذا) ؟ والأمثلة عن هذا الإنفلات عديدة !
التراشق بالجهويات المقيتة
لعلك تدرك، سيدي رئيس الجمهورية، مدى خطورة ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، خاصة وأن النعرات الجهوية، التي إعتقدنا، في البداية انها وقتية وعابرة، أخذت في الأشهر الأخيرة منحى تصعيديا مرعبا بعد انحدار الشعبويين وقليلي الحياء والمحرضين على الفتنة إلى خنادق التراشق بالإنتمائية الجهوية المقيتة.
إن بلادنا الصغيرة والفقيرة ليست بحاجة في هذه الفترة الحرجة من مسيرتها المتعثرة إلى المزيد من المشاكل والآفات الإجتماعية، كما ان ديمقراطيتنا الهشة غير قادرة على الصمود طويلا أمام هذا التيار التخريبي الجارف الذي يقوده أعداء الشعب والوطن على مرأى ومسمع من الجميع ودون رادع مهما كان نوعه ! لقد وجد هؤلاء الفرصة سانحة لتصعيد تحريضهم على الفتنة الجهوية والإمعان في تحريك سكين الحقد في الجرح النازف.
ها هم الشعبوييون قد تحركوا لتحريض ضعاف العقول والنفوس في بعض الجهات للإحتجاج بالإضافة إلى استنفار الكثير من أعضاء مجلس نواب الشعب لهواجسهم الجهوية، لشن هجوماتهم المعهودة على رموز الدولة وعلى شخصكم بالذات.
كان بعضهم، كما تعلمون، قد إستعملوا هذا الأسلوب في الإنتخابات الرئاسية وقسموا الشعب التونسي إلى “مؤمنين” و”كفار” وإلى “أبناء السواحل الميسورين” و”أبناء الداخل الفقراء والمهمشين” ولكنهم إصطدموا برفض شعبي عارم لهذا التقسيم مما تسبب لهم في خسارة مهينة ومذلة في الإنتخابات السابقة، ولكنهم مازالوا وأتباعهم يرقصون على حبل الفتنة دون رادع مهما كان نوعه، فمتى ستتحركون لصد هذا الخطر الداهم على البلاد وماذا تنتظرون لحشد كل فئات الشعب في هذا المسعى؟
الحرية ولدت يوم ولد القانون
إن السلط الشرعية لا تنحني أبدا، ولا تتفاوض مطلقا مع المخربين والمتمردين والمحرضين على العصيان والفتنة بل تفرض سلطة القانون أولا ثم تقدم إصلاحاتها عبر الهياكل الرسمية، المركزية والجهوية والمحلية، لا يعني هذا أن الأبواب مغلقة أمام الإستجابة للمطالب المشروعة ولكن بعد إستتباب الأمن وعودة الإستقرار والهدوء وليس تحت ضغوطات الإحتجاجات والشغب والعصيان.
كان من المنتظر والمتوقع أن تواجه السلط الحاكمة إحتجاجات ذات مرجعية جهوية من قبل الصائدين في مستنقعات الفتنة والمحرضين على الفوضى والإنفلات، أولئك الذين تخلوا منذ اليوم الأول، عن أدنى الإلتزامات الوطنية وٱنخرطوا في التشجيع على الصدام الجهوي على خلفية “التوازن الجهوي” و”العدالة الإجتماعية” و”تنمية المناطق المهمشة” وغيرها من الشعارات التي أريد بها باطل، وكان عليكم الإستعداد لمواجهة هذه النعرات الخطيرة بحزم حتى لا تتفاقم ويزداد خطرها ويجد مضرموها المجال فسيحا أمامهم لمواصلة التحريض والإستفزاز والنفخ فيا جمرات الفتنة.
المارد يخرج من جحره
الآن وقد خرج المارد من جحره وأصبح يهدد البلاد في استقرارها ووحدتها وأمنها بل في وجودها أيضا تحتم عليكم مسؤولياتكم وضع حد نهائي لهذا الوضع الكارثي قبل فوات الأوان، وذلك إستئناسا بما قام به الرئيس الحبيب بورقيب في بداية دولة الإستقلال للقضاء على العروشية والقبلية والجهويات التي كانت سائدة في تلك الفترة بعد ان غذاها الإستعمار، وذلك بإستعمال القانون، فالحرية ولدت يوم ولد القانون، والديمقراطية لن تينع ويشتد عودها إلا في دولة القانون والمؤسسات، وتأكد سيدي رئيس الجمهورية أنك إذا ما استعملت صلاحياتك الدستورية في تطبيق القانون وحماية الأمن القومي للبلاد ستجد الأغلبية الساحقة من الشعب التونسي وراءك، داعمة لسياستك ومساندة لمساعيك ومساهمة في نجاحك.
والسلام…
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك