الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بعثت بالرسالة المفتوحة المنشورة أسفله إلى السيد رئيس الحكومة هشام المشيشي بخصوص سحبه لمشروع القانون الأساسي المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري من مجلس نواب الشعب.
على إثر سحبكم مشروع القانون الأساسي المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري من مجلس نواب الشعب بتاريخ 19 أكتوبر 2020، قبل يوم من انعقاد الجلسة العامة المقررة للنظر في المبادرة التشريعية الخاصة بتنقيح المرسوم عدد 116 لسنة 2011،
يهم الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري تذكيركم أن المبادرة التشريعية التي تعمدتم سحبها، والتي كانت قد قدمت من قبل الحكومة السابقة -التي كنتم طرفا فيها-، صيغت بشكل تشاركي على مدى سنوات وكانت محل توافق من قبل مختلف المؤسسات والوزارات والهياكل والخبراء والمنظمات التونسية والدولية المعنية بالقطاع السمعي البصري.
وتعتبر الهيئة أن سحب هذه المبادرة يعد تراجعا عن التزامات الحكومات السابقة ونيلا من المكاسب التي تحققت إلى حد الآن في مجال حرية التعبير والرأي والإعلام وضربا لمبدأ استمرارية الدولة وعدم اعتبار للمجهودات التي بذلت من أجل صياغة مشروع قانون توافقي يهدف إلى تطوير القطاع وضمان المعايير الضرورية لحريته واستقلاليته.
وفي الوقت الذي كانت فيه الهيئة وشركاؤها يعولون على التزام حكومتكم أخلاقيا وسياسيا بالابتعاد عن التجاذبات الحزبية وعدم الرضوخ إلى الضغوطات من أي جهة كانت وإيجاد الحلول الملائمة لمساندة جهود الهيئة في تطوير القطاع وإنهاء حالة الإفلات من العقاب في تنفيذ قراراتها المتعلقة بالقنوات غير القانونية التي تبث إلى اليوم دون إجازة، توليتم فسح المجال لمزيد تعميق أزمة الإعلام السمعي البصري وتوفير الأرضية الملائمة لمزيد تفشي الفساد وتبييض الأموال رغم أن الهيئة قد سبق لها أن مكنت مصالح رئاسة الحكومة من جميع الملفات.
وأمام كل هذه التطورات الخطيرة، تعبر الهيئة عن إدانتها لسحبكم المبادرة التشريعية الشاملة التي تستجيب لتطلعات أهل القطاع وفسح المجال لتمرير مبادرة برلمانية تقتصر على تنقيح جزئي للمرسوم 116، وهو ما تعتبره مساندة صريحة لوضع اليد على الهيئة التعديلية واختراق الإعلام وتوظيفه خدمة لمصالح حزبية ضيقة.
إن تنقيح المرسوم في نقطتين اثنتين بتعلة تحرير قطاع الإعلام يهدف بصفة واضحة لتحقيق المحاصصة الحزبية في تركيبة الهيئة بما يحد من استقلاليتها وصلاحياتها ووضع اليد على الإعلام من قبل أحزاب متنفذة بما يخدم مصالحها على المستوى الوطني والإقليمي، إضافة إلى أن قطاع الإعلام لا يمكن أن يدخل في منطق اقتصاد السوق باعتباره مرفقا عاما له مسؤولية مجتمعية وباعتبار الترددات التي تستغلها القنوات هي ملك عام للدولة التونسية لا يمكن التفريط فيها دون التزامات ودون شروط مسبقة تضمن استغلالها لفائدة المصلحة العامة.
وأمام خطورة هذا الوضع، فإن حكومتكم تتحمل المسؤولية كاملة في أي محاولة لضرب حرية التعبير والإعلام أو المس من سيادة الدولة وأمنها القومي وسلامة كل مؤسسات القطاع والعاملين بها أو تقويض مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.
عن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري الرئيس النوري اللجمي
شارك رأيك