دعوات المقاطعة للسلع الفرنسية بتعلة نصرة رسول الله عفوية طفولية وشعبوية لكنها عديمة التأثير و ضعيفة المدى و قد تسيء إلينا أكثر من أن تؤثر في من نريد معاقبتهم. إن ظاهر هذه الدعوات نصرة الرسول و لكن باطنها خدمة للإسلام السياسي.
بقلم توفيق زعفوري *
تتنامى دعوات المقاطعة و تتوالى فيديوات تُظهر أجنحة فارغة من السلع يقال أنها منتجات فرنسية ناتجة عن مقاطعتها من قبل المستهلكين، و كان ذلك في إحدى المحلات التجارية الكبرى في دولة من دول الخليج. وما يهمنا من أمر المقاطعة أمران إثنان لا ثالث لهما أشكال المقاطعة ومداه.
لنتفق أولا أن أسباب مقاطعة المنتجات الغربية عموما تختلف حسب السياقات و المواقف، و بما أن هذه الدعوات خلفيتها دينية روحية تمس مشاعر الملايين من المسلمين فإننا سنتوقف عندها و نركز عليها أكثر.
جميل أن تقاطع سلعة أو منتوجا مهما كان مأتاه، المقاطعة سلاح، عقاب، و بالنتيجة كساد و خسائر، المقاطعة هو أن تكبد الخصم خسائر لا يستطيع تحمّلها و لكن أنت تستطيع أن تستمر بدون تلك المنتجات، و لا تتأثر، فهل نحن نقدر فعلا على مقاطعة المنتجات الواردة من فرنسا، أو غيرها، و إلى أي مدى يمكن أن نصل في ذلك؟
دعوات مقاطعة محدودة التأثير على الخصم
بما أن دعوة المقاطعة كانت لأسباب دينية فانها ستحدث ضررا لا محالة نختلف في تقييمه، إلا أن هذه الدعوات محدودة على أهمية سببها و ذلك لأنها نابعة من انفعالية عفوية، أي غير مدروسة لدى غالبية الناس، و كأن العملية ميكانيكية في حين أن الأصل في المقاطعة هو الديمومة، و الإستمرار ية فيها حتى تحقق أهدافها هي مدى إحداث ضرر إقتصادي للآخر، في تونس هنا تنامت دعوات مماثلة و هي كالظاهرة الدينية و التدين الشعبي تظهر و تنمو فقط وقت الازمات، و تتصاعد بتصاعد الأسعار عندها يعلو صوت المقاطعة و لكنها تظل دائما محدودة لا تأثير لها، أنت في بلدك لا تستطيع أن تقاطع بيضة أو علبة حليب أو سلعة ذات سعر مبالغ فيه، ثم تتحدث عن مقاطعة السلع الأجنبية ذات الجودة العالية و السعر الجيد، كيف يمكن أن تؤثر المقاطعة إذا لم تكن لديك سلعة منافسة أصلا، لا من ناحية الجودة و لا من ناحية السعر؟
سأتفق معك أن المقاطعة هي الحل، ماذا لو فشلت، فهناك إحتمال أن تفشل أو تتوقف لسبب ما و ألا يكون لها أي تأثير، فهل ستعود إلى إستهلاكها إن إنتهت المقاطعة؟
ماذا أعددت لمقاطعة بضاعة كانت بالأمس القريب من ضرورياتك؟
تفشل الدعوات الشعبوية ببساطة لأنها ليست سياسة ممنهجة و ذات أهداف مرسومة و محددة، تفشل لأنها عاطفية انفعالية، فماذا أعددت لمقاطعة بضاعة كانت بالأمس القريب من ضرورياتك؟ ماهي بدائلك؟
تنجح المقاطعة فقط أن كانت محل إجماع عليها و تندرج في إطار خطة مدروسة تسبقها حملات تحسيسية و توعوية شاملة و تطرح بدائل من نفس خصائص المنتجات المراد مقاطعتها و قتها فقط تنجح المقاطعة، أما المقاطعة لمجرد المقاطعة فهي هراء و ذر رماد على العيون، فقد كانوا يسيؤون دائما إلى رموزنا و كانت في كل مرة تتعالى الأصوات بمقاطعة “شارلي هيبدو”، فهل إختفت “شارلي هيبدو”؟ دعوات لمقاطعة كوكاكولا في كل مرة، فعل إختفت كوكاكولا أو تضررت بالعكس بعد المقاطعة أو أثناءها يقفز سهمها في البورصة و ترتفع قيمتها السوقية في كل مرة؟ هل إختفت بيبسي كولا بالرغم من حملات التشويه و المقاطعة؟
لهذا أنا لست أنساق وراء هذه الدعوات العفوية الطفولية الشعبية لأن ظاهرها نصرة للرسول و باطنها خدمة للاسلام السياسي، يصعب فيها تخليص الخيط الأبيض من الخيط الأسود، من يختفي وراء دعوات المقاطعة! هل يعرف مناصرو المقاطعة، الجهات التي تدعم هذه الدعوات و غاياتها و إرتباطاتها، الجواب هو ببساطة لا، و يصعب تحديد الجهات و الأيادي التي تحرك هذه الجماهير، لهذا فنصرة الرسول أمر و المقاطعة أمر آخر مختلف، و من يقف وراءها كمن يدس السم في العسل. فتبينوا أمركم أولا… أما عن نصرة الرسول فنحن لا نختلف…
* محلل سياسي.
شارك رأيك