من خلال حركته الأخيرة المتمثلة في تعيين السيد محمد الغرياني مستشارا له في مجلس نواب الشعب، يصعب أن تعرف من هو راشد الغنوشي، هل هو السياسي المحنّك، هل هو الثعلب الذي يلاعب و يراوغ و يراود خصومه بكل حرفية، أم هو المقامر المغامر الكي سينتهي كما ينتهي أي ديكتاتور…
بقلم توفيق زعفوري
لم ينتظر راشد الغنوشي طويلا بعدما أظهر آخر سبر للآراء تقدم الحزب الدستوري الحر و لأول مرة بفارق كبير عن حزب حركة النهضة الذي كان منذ عشر سنوات يحتل المرتبة الأولى في نوايا التصويت خاصة في الانتخابات التشريعية و ليس فقط البلدية، و بعد صمود رئيس الجمهورية قيس سعيد في المرتبة الأولى في نوايا التصويت للرئاسية أمام رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في المرتبة الثانية.
الغنوشي يريد ملاعبة موسي في ملعبها
الغنوشي بتقريبه آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي، محمد الغرياني، إنما يحاول إستمالة طيف واسع من الدستوريين و ضمهم إلى قاعدته الإنتخابية و يكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر واحد : أولا منافسة و ملاعبة عبير موسي في ملعبها و شق صفوف قاعدتها الإنتخابية، و هذا الأمر يبدو أضغاث أحلام (“يحسب وحدو”) و ثانيا محاولة الوصول إلى قرطاج و منافسة الرئيس الحالي في الإنتخابات الرئاسية القادمة. و لكن من اليوم حتى سنة 2024 لا يبدو الغنوشي صامدا إزاء دعوات جماعة المائة و تشبث أغلب قيادات النهضة بالفصل 31 من النظام الداخلي للحركة و عدم تزكية الغنوشي لولاية ليست من حقه.
الغنوشي ديمقراطي جدا، فسُنّة التداول السلمي على السلطة كانت الفكرة الأساسية في “نضالاته” ضد الديكتاتورية، و في فلسفته السياسية، و لهذا مكث على رأس الحركة ضعف ما مكث زين العابدين بن علي في السلطة بل و أكثر ويحاول أن يمدد لنفسه في رئاسة الحركة، و إن لم يستطع فتمديد لمدة عامين آخرين عبر تأجيل مؤتمر الحركة.
يبدو أن السيد الغنوشي ثعلب الحركة لا ينوي التّرجل و لا حتى أن يكون المرشد الأعلى للحركة المهم أنه لن يسلم الحركة لأحد و لن يسلم السلطة لغيره حتى يقضي الله أمرا كان مقضيا.
مزيد توسيع الشقوق داخل حركة النهضة
السيد الغنوشي يشد بقبضة من حديد بكل تفاصيل الحركة و هو في اختراق غير منتظر يحاول أن يعيّن محمد الغرياني الرجل الثاني لحزب المخلوع مستشارا له، هذا التعيين الذي لم يؤكد رسميا – و كأنه بالونة إختبار – ساهم في توسيع الشقوق داخل الحركة المنشقة على نفسها أصلا بسبب عدم إعلان راشد الغنوشي لحد الآن عن موقفه من رئاسة الحركة قبل المؤتمر القادم، و أنه سيخسر طيفا لا بأس به من الناخبين، و خاصة طيف ” قسما برب الوجود التجمع لن يعود” حتى و لو في حقيبة السيد الغنوشي!
عبر بوابة المصالحة يحاول راشد الغنوشي أن يلعب آخر أوراقه، خاصة بعدما خسر وزنه الإنتخابي حتى داخل الشورى و ضمن المؤتمرين المتمسكين بالنظام الداخلي للحركة و بعدم تزكيته لدورة ثالثة على رأسها.
من خلال حركته الأخيرة، يصعب أن تعرف من هو راشد الغنوشي، هل هو السياسي المحنّك، هل هو الثعلب الذي يلاعب و يراوغ و يراود خصومه بكل حرفية، أم هو المقامر المغامر الكي سينتهي كما ينتهي أي ديكتاتور…
* محلل سياسي.
شارك رأيك