سألوا مجنون ليلى: أيّهما أحقّ بالخلافة، بنو العبّاس أم بنو هاشم؟ فأجابهم: ليلى!!! ولو سألوا اليوم حمّة الهمّامي : أيّهما أصلح لتونس : نظام الحكم البرلماني أم الرّئاسي لأجاب: راضية، نظام راضية، حكم راضية…
بقلم كريمة مكّي *
حمّة الهمّامي الذي خاب سعيه في السّياسة بعد أن كان مناضلا ثوريا يُشار إليه بالبنان، فتح لنفسه نافذة جديدة يتحدّث منها لجمهوره هي علاقته بزوجته و رفيقة دربه راضية النّصراوي.
عاد ʺحمّةʺ للكتابة و لكن هذه المرّة ليست كتابة المناشير السرّيّة التي كان يتبادلها الرّفاق أيّام اختبائه عن بوليس السّلطة و لكنّها كتابة أدبية فيها بوح و تصريح بحبّ راضية و مكانة راضية في قلبه و في حياته و خاصّة في أيّام وجعها الأخيرة و قد اجتمعت عليها الأمراض.
لم يخشى حمّة عدوى الفيروس الفاتك، و استقرّ في نفس الغرفة التي ترقد فيها راضية في المستشفى العسكري بتونس : يُطبّبها و يُسلّيها و يّخفّف عنها، متحمّلا وضع كمّامة على وجهه بالليل و النّهار كما قال. و هو أمر مقلق و شاق… و لكن في سبيل المحّبّة الحقّة تهون كلّ المشاق.
فاجأني أبي – رحمه الله – يوم قال لي أنّه انتخب حمّة الهمّامي في الرّئاسية الأولى بعد الثورة.
سقط ما في يدي. قلت له: حمّة!!! و الله ما جنى علينا أحد غيره، إنّه هو من أهدى الثورة للإسلاموويين.
قال أبي المناصر الأبدي لليسار: حمّة يحمل مبادىء اليسار العظيمة التي تربيت عليها منذ أربعينات القرن الماضي عندما انخرطت في الحزب الشيوعي التونسي.
قلت له: الحزب الشيوعي حزب رصين ومعتدل و ذو عقل أمّا حزب حمّة و رفاقه فهم يمثلون أقصى اليسار حتى أنهم يطلقون عليهم اسم اليسار الطفولي أي ذلك الذي يحطم كلّ ما في طريقه.
قال في حسرة و مرارة: ʺأين هو الحزب الشيوعي و أين منه حزب المسار اليوم… ذهب الرّفاق الكبار: عم حسن السّعداوي و سيمون طهّار و سي محمّد النّافع… و آخرهم الله يرحمه سيد أحمد ابراهيم… لقد وُلدت يتيما و لكنّ الحزب الشيوعي هو الذي ربّاني منذ أن كان عمري 12 عاما… فيه تشبّعت بالمبادىء السّامية و بالرّوح الثورية رغم أني في الأصل خوّاف… خفت على عائلتي و تجارتي فاكتفيت بالمساندة من بعيد و لم أمضي طويلا في طريق الثائرين.ʺ
قلت: حتى أنّك لم تنقطع يوما عن إرسال مبلغ الاشتراك في ʺالطريق الجديدʺ حتى بعد الثورة إلى أن انقطعت عن الصّدور.
قال: “ذلك أضعف الإيمان، كنت أشعر دائما أنّي مقصّر في حقّ حزبي رغم أنّ الجميع في الكاف يعرف انتمائي و يعرف دفاعي المستميت عن المبادىء الشيوعية أمام الجميع: تجمّع و اخوانجية!”
قلت: رغم أنهم كانوا أصدقاءك!
قال: “طبعا و أوّلهم عبد الرحيم الزواري عن التجمع و عبد الله الزواري – الله يرحمه – عن النّهضة. كان الجميع يأتي عندي للحانوت في بنعنين لنحكي في أحوال البلاد و العباد فنتناقش و نتنابز و لكن دائما في إطار من المودّة الرّائقة ذلك أني لا أنافسهم في الصّراع على السلطة لذلك كانوا يوقّرونني و لا يغضبون مني !! أمّا بعد الثورة فتغيّر كلّ شيء و خاصة الأخلاق و ظهرت النفوس على حقيقتها، تصوّري أن واحدا من معارفي عيّرني بعد الثورة و قال لي: يا شيوعي… يا كافر!”
قلت: لأنّهم يربطون الشيوعية بالتدين من عدمه و لا يعلمون عنها غير ذلك.
قال: “أنا روحي يسارية، أُحبّ اليسار و أهل اليسار أهل المبادئ و القيم، لذلك انتخبت حمّة”.
قلت مستنكرة: و لكنّ حمّة بعد الثورة…
ردّ مقاطعا: ʺحمّة يمثّل عندي ما بقي في قلبي اليوم من تلك الروح الحيّة التي يبثّها الفكر اليساري في كلّ قلب مكسور يَحلم بالحياة و بالحرّية.ʺ
انتخب أبي ʺحمّةʺ و لم أكن موافقة أبدا عل اختياره.
اليوم و بعد أن قرأت ما خطّه قلب ʺحمّةʺ عن راضية تأكّدت أنّ ʺحمّةʺ يحمل فعلا روح اليسار الجميلة و المُلهمة في النضال و خاصّة في المحبّة. أمّا السياسة فهي ميدان بعيد… ليس لِحمّة باع فيه.
يكفيه أنّه شكّل مع نصفه الصفيّ نموذج زوجي و نضالي متكامل يُلهم الآخرين و هو ليس بهيّن و لا بقليل.
* كاتبة و مدونة.
شارك رأيك