هل جفّ حبر توصيات التعاون بيننا وبين الغرب لمجابهة التطرف والإرهاب وتحوّلت إلى وثائق ميّتة؟ وهل بهذه السهولة علينا أن نقبل باسم حرية التعبير وأن يتم الاعتداء على المقدسات الإسلامية و يصبح الإسلام متّهما؟
بقلم محسن بن عيسى *
إننا نشهد تغيّرا واضحا في الموقف الرسمي الغربي مع تنامي تيارات التشدّد، ومن واجبنا مواجهة المواقف الاستفزازية والدفاع عن الرسول الكريم وطرح الشواهد التي تدل على أنّ الإسلام هو دين التعايش السلمي.
مظاهر العداء الديني
نحن نعلم أنّ التيار الديني الفكري المعادي للإسلام في الثقافة الغربية تقوّى مع تعاقب العصور حيث توفّق في تحقيق أهدافه وأبرزها تغليط الأفهام عن حقيقة الإسلام. وهي ثقافة كراهية تستكن حينا وتطفو أحيانا إبان الأزمات.
يقول روجي غارودي الفيلسوف الفرنسي المتعدد الكتابات الدينية والفلسفية والسياسية في هذا السياق: إنّ التحليل النقدي للكتب المدرسية، كما شرعت به جمعية “الإسلام والغرب” في فرنسا، يظهر إلى أي حد يقع تقديم صورة الإسلام في شكل كاريكاتوري للأطفال وتُدرج طريقة الحياة الإسلامية في باب الفولكلور، وكيف يُعتبر تشكيل هذه الصورة عَقبة كبرى على طريق الفهم والحوار. ويبدو أنّ الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم والمنشورة من “صحيفة شارلي إبدو” هي امتداد لهذه الثقافة أكثر من البحث عن الشهرة والانتشار.
وبناءً على الدراسة التي قامت بها الباحثة مارلين نصر عن صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية، الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية سنة 1995، نجد أن المناهج التربوية الفرنسية تقدم العرب والمسلمين باعتبارهم المتمردين والنهابين والمخربين والسفاحين، ولا تأتي على ذكر أي صفة من صفاتهم الإيجابية المعروفة.
وفي الأدب الفرنسي نرى أنّ صفات العرب تظهر في العصور الوسطى باعتبارهم كفارا وأعداءً وخونة وغزاة، وفي الأدب الاستشراقي نجدهم يسرقون التجار، وكثيرا ما يقتلونهم، وهم في الأدب المعاصر خائفون ومتهمون بالتأخر.
إنّ استقراء ومتابعة التاريخ يؤكد وجود تراث يقارب ألف عام من العداء بين الكنيسة الأوروبية وصناع القرار وكذلك التيارات الفكرية غير الدينية وبين الإسلام والمسلمين.
و السؤال المحوري في هذه المرحلة يجب أن يكون: ما هي السبل الكفيلة بإيقاف هذا العداء؟
المواجهة الحضارية ؟
لا ينبغي أن نبقى أسرى مواريث الماضي الكولونيالي أو الرأسمالية المتوحشة أو الأصولية الكنسية، فانكفاء العقل العربي خلق زعامات ظلامية الرؤى وأفرز خللا في أوضاعنا واستبدادا وعنفا و تطرفا وكراهية. لقد أسهم الخطاب المتزمت في رفع الإساءة للإسلام والمسلمين.
المشكلة اليوم هي في المواجهة الفكرية القائمة حول الخوف من الإسلام والتخويف من كل المسلمين دون تمييز وادراجهم في خانة الإرهابيين ونشر كراهيتهم ومعاداتهم بين الأمم وفي كل الدول. تلك مغالطة تذهب الى حد الغاء التعددية الحضارية مستخدمة في ذلك نزعة “صدام الحضارات… وصراع الثقافات”.
لقد تحدثت أدبيات كثيرة عن الجهود الشخصية لعلماء ومفكري الإسلام منذ عدة قرون والى اليوم في الرد على الأكاذيب التي روجها المشككون والطاعنون. ولكن لا يزال هناك تقصير متعدد الجوانب اليوم في مجابهة “الاسلاموفوبيا” التي طبعت المجتمعات الغربية. تقصير يشمل المثقفين والإعلاميين والمؤسسات الرسمية. ما المانع أن نواجه هؤلاء دينيا وفكريا وإعلاميا وسياسيا وثقافيا؟ ومتى سنعمل على فتح أبواب الأمل للالتقاء على جوانب مشتركة مع كل الحضارات والثقافات؟
نحن اليوم في أمس الحاجة للتكاتف لخوض هذه المواجهة عبر مشروع حضاري إسلامي وانساني يدافع عن مقدساتنا وأخلاقنا و قيمنا. مشروع لا يلغي الحضارة الغربية ولا يتصادم مع أي حضارة أخرى استنادا لمبدأ الاعتراف بأن لدى الآخر ما نتعلمه منه وأنّ لدينا ما نعلّمه للآخر.
الإسلام، هو الدين الأكثر انتشاراً في الغرب بعد المسيحية وعلينا تجاوز الخطاب المعادي في المطلق، والتحرر منه، إذ لا يمكن تجديد الفكر، وتطوير أوضاعنا، إذا استمر العقل العربي والإسلامي، غارقاً في أوهام وهواجس الفكر التآمري.
علينا تبني خطاباً حضاريا يتسم بحسن التعامل وامتلاك أدوات الحوار والقدرة على مخاطبة العقل وإدراك لغة العصر. خطابا يعرّف بالإسلام ليس كمجرد شعائر ومناسك وعبادات، بل كمشروع حضاري تتعدد فيه المذاهب واللغات والقوميات، وكنظام حياتي شامل من الاقتصاد الى السياسة فالثقافة.
* العقيد المتقاعد.
شارك رأيك