التونسيون جرّبوا الدولة منذ عشر سنوات فتأكدوا أنها ليست في مستوى تعهداتها و التزاماتها، دولة ضعيفة و مرتعشة لا تقدر على مراقبة و متابعة أي قرار لديها، ما يقال شيء و ما يُفعل شيء آخر متأخر جدا عن القول و لنا في ملفات التشغيل و التمويل و الأشغال العامة و البيروقراطية و غيرها خير أمثلة ظلت تعهدات الدولة فيها مجرد حبر على ورق. لذلك لم تترك أمام مواطنيها غير لغة الإضراب و الحرق و الضغط و سد الطرقات…
بقلم توفيق زعفوري *
ما تمّ التوصل إليه أخيرا من إتفاق بين الحكومة و أهالي تطاوين ممثلين في تنسيقية الكامور و مكوناتها المختلفة هو قبل كل شيء تواصل لتعهدات سابقة عُطّلت لأكثر من 3 سنوات لأسباب عديدة…
ثانيا إعتصام الكامور و تعطل الإنتاج في حقول النفط قد ولّد للأسف غضبا و احتقانا كبيرين لدى غالبية المواطنين (باستثناء أهالي تطاوين ربما) وصل الأمر حتى نعت المعتصمين بنعوت خارجة عن اللياقة، حتى لا نقول شيئا آخر…
معتصمو الكامور يفرضون إرادتهم على الدولة
أمّا عن الإتفاق، فهو يخرج عن قاعدة “لا غالب و لا مغلوب”، بالعكس فبعد مفاوضات ماراتونية و شد و جذب، تمكن معتصمو الكامور من فرض إرادتهم و إحداث ثقب كبير في جدار هيبة الدولة، حيث فرض أهالي تطاوين تفاصيل دقيقة في مجريات الحوار و خاصة سرعة تنفيذه لأنهم يعرفون أن الدولة لم يعد بإمكانها الالتزام بتعهداتها، و هو ما يمثل انعدام الثقة في مؤسساتها و هم في ذلك يحاولون تفادي الخطأ الذي وقعوا فيه مع حكومة يوسف الشاهد عملا بمبدأ “لا يلدغ المرء من الجحر مرتين”. لذلك وصلوا إلى مرحلة الرخ لا و الضخ لا و أوقفوا إنتاج و توزيع البترول منذ 16 جويلية الفائت مكبدين خسائر كبيرة للمسسات العاملة بالجهة و للدولة التي تستورد اليوم أكثر من نصف حاجياتها من الطاقة.
أهالي تطاوين يعلمون جيدا و بدقة تفاصيل الشركات العاملة في الولاية و حدود امكانياتها و يعلمون أيضا حجم الثروات التي تزخر بها الولاية و ما يمكن أن تخلقه من ثروة و من تنمية و من إيرادات ويعلمون ذلك بالكيفية اللازمة، لذلك تشبثوا أكثر بمطالبهم و أجبروا الدولة على احترام تعهداتها و القيام بواجبها تجاه ولاية تشهد واحدة من أكبر نسب البطالة في الجمهورية( 31٪).
أهالي تطاوين يعلمون حجم الخسائر التي يحدثها إجراء غلق الفانا و يعلمون أنهم يمسكون الدولة من اليد التي تؤلمها و لكنهم يعلمون أيضا أنهم على حق و أن التشغيل استحقاق و أنهم لا بد من أن ينتفعوا بخيرات بلادهم بطريقة فيها الكثير من الكرامة، و الدولة تأخرت كثيرا و ربما لنصف قرن عن إنصاف تطاوين الولاية الصحراوية المنسية، لهذا كان إتفاق الكامور ثورة حقيقية داخل ثورة مغدورة لم تكتمل.
هل يفعل سكان الجهات المحرومة الأخرى مع فعله سكان تطاوين ؟
ما فعله أهالي تطاوين لا يعني أبدا أنه على أهالي قفصة أو غيرهم أن يفعلوا نفس الشيء للحصول على إتفاق مجزي و منصف للولاية و للشباب العاطل عن العمل حتى تُحل مشكلة الحوض المنجمي، المسؤولية تقع على عاتق الحكومة في إيجاد الحلول الملائمة و المناسبة لضمان تدفق الفسفاط حفاضا على تعهداتها مع شركائها في الخارج و على توازناتها المالية و مكانتها في الأسواق العالمية…
لماذا يلجأ البعض إلى تحدي الدولة و مؤسساتها، بغلق فانا أو بناء حائط على سكة حديدية أو غلق طريق؟
الواقع أن التونسيين قد جرّبوا الدولة منذ عشر سنوات فتأكدوا أنها ليست في مستوى تعهداتها و التزاماتها، دولة ضعيفة و مرتعشة لا تقدر على مراقبة و متابعة أي قرار لديها، ما يقال شيء و ما يُفعل شيء آخر متأخر جدا عن القول، لذلك تبقى الدولة في وعود ثابتة غير متحركة نحو الفعل و يبقى التونسيون على دراية واسعة بأسلوب الدولة في المماطلة و الإلتفاف و التسويف، و لنا في ملفات التشغيل و التمويل و الأشغال العامة و البيروقراطية و غيرها خير أمثلة ظلت تعهدات الدولة فيها مجرد حبر على ورق. لذلك لم تترك أمام مواطنيها غير لغة الإضراب و الحرق و الضغط و سد الطرقات.
لتأخذ حقك يجب أن تحدث ضررا و ضجيجا كبيرا
في غياب المجلس الأعلى للحوار الذي ظل هو الآخر جبرا على ورق، و للأسف، فإنه سويعات بعد غلق الطرق مثلا تحضر السلط و يحل الإشكال و خاصة إشكالات إنقطاع مياه الشرب في الصيف. و كأن الدولة قد عوّدت مواطنيها على هذا الأسلوب، “لتأخذ حقك يجب أن تحدث ضررا و ضجيجا كبيرا”. نحن لا ندعم هذه الأساليب على أهمية حصيلتها، لكن الدولة لم تترك مجالا لمواطنيها غير هذا للأسف. و هو إجراء يضمنه الدستور، لكن المواطن يمارسه بأشكال فيها ضرر كبير للمؤسسات و للدولة…
على الدولة أن تراجع أساليبها في العمل و في الإنجاز و تلافي التعطيلات و البيروقراطية من خلال إستغلال أقصى ما يمكن من وسائط تقنية و دعم النجاعة لديها فلم يعد بالإمكان مواصلة سياسة الإرتعاش و التردد.
* محلل سياسي.
شارك رأيك