قصيدة في مديح مدينة الكاف الواقعة في الشمال الغربي للبلاد التونسية على الحدود مع الجزائر وهي إحدى أقدم المدن التونسية التي عرفت عدة حضارات تتالت على أرضها.
بقلم كريمة مكّي
قطعة أرض فاتنة… تبعث بنسماتها على أطرافها فتجذب العابرين جذبا… إلى أعماقها.
مدينتي أنا،
سيّدة المُدُنْ…
سيّدة الإِغْوَاءْ.
عَبَقٌ هي من روح الأديان و الفنّ و الحضارة.
رجالها في حبّها دراويش سكارى و نساؤها، في موطن العشق، باكيات حيارى!!
و هي الحزينة المنسية و الشامخة الأبيّة تذوب شوقا لمجدٍ ذهبَ خسارة… لِاسْمٍ فاخر سرقوه منها بمهارة.
مدينتي أنا،
مدينة الأَنَفَة و الكبرياء…
تجلس وحيدة على ربوة الحُسن لا تدري كيف تمسح الدّمع من أحداقها بعد أن أذلّ حُسنها الفقر… و جُبن عشّاقها!
كم خذلوها و بِمُدُنٍ عابرة بدّلُوها و لكن في ظلمة اللّيل كما كانت تبكيهم، كانوا، هم أيضا، بحرقة الشّوق، يبكوها.
كم غدروا بها،
كم أهملوا حُسنها و سحرها،
كم أهانوها…!
اسمها الطافح بالموسيقى و بالخيال سلبوه منها و منحوها أسماء أخرى لم تتمكن من حفظها الآذان و في الأخير اختصروها في شبه اسم! اسمٍ من حرفٍ يتيمْ يدلّ على كهف عالي في الجبالْ…!!!
بدّلوا اسمها،
بدّلوا جنسها،
ثم قالوا هو الكاف… و ʺالكاف سيّد الرّجالʺ.
يا الله ما أغباهم!
ʺذَكَّرُوهَاʺ ليطمسوا فيها كل ملامح الأنوثة و الدّلال و ألبسوها خِرقة الفقر لكي لا تطمع فيها عيون الاحتلال.
و ليُسكتوها صاحوا بكلّ زهو و بكل ثقة و اطمئنان: إنّه الكاف و الكاف سيّد الرجال!!!
آه… لَوْ كان في ʺالتذكير فخرٌ للهلالʺ*
آه…يا ʺمُتَنَبّيʺ! و عليك منّي ألف سلام.
كذلك، يا ʺمتنبيʺ، مسخوا المدينة الفاتنة… و كذلك بʺالذّكورةʺ خدعوها.
ʺذكَّروهاʺ و هي تصرخ كطفلة دَنَّسُوا أنوثتها بمشرط الختان.
ʺذكّروهاʺ و هي تصرخ بكلّ ما فيها و كلّ ما فيها يصرخ: ʺلا… لا ʺتسترجلونيʺ…
لستُ بذَكَرٍ بل أنا عين الأنوثة و عين السّحر و الجمال…
أنا مدينة العشق المقدس …
أنا ربّة الهوى على مدى الأزمان.ʺ
ذَكَّروها و أفقروها و خدعوها و هجروها و ما تزال سيكا تحافظ على سحرها وسط الرُّكام !
ما تزال، كما بُعِثَتْ، تَضُجُّ بالبهاء و بالغنج و بالدّلال…
سيكا هي الشابّة على الدوام…
هي الفاتنة التي لا تنام،
هي نسمة الروح التي تأخذ العقل… و تُهدي الأحلام♥
سيكا هي الأمّ الحانية التي تخرج لنا دوما في عزّ الحزن على غربة القلب… في قلب الأوطان♥♥
ستعود سيكا،
ستعود لي،
و سيعود لها، بالقلم البديع، مَجْدُهَا عالي المقام♥♪♫
*بيت الشاعر المتنبي الشهير في رثاء والدة الأمير سيف الدولة الحمداني:
ʺو ما التأنيث لاسم الشمس… عيب و لا التذكير فخر للهلال.ʺ.
شارك رأيك