وجهت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، بتاريخ 03 ديسمبر 2020، لفت نظر لمؤسسة الإذاعة التونسية، وذلك في علاقة بالإخلال المسجل في برنامج “الرأي والرأي المخالف” الذي تم بثه على إذاعة المنستير العمومية بتاريخ 01 ديسمبر 2020 والذي تضمن تعاطي غير مهني مع موضوع الحصة الذي كان حول “تدخل الجيش لإنقاذ البلاد”، وذلك اعتبارا للبس الذي اعترى بعض فقرات البرنامج وما أثاره من ردود أفعال لدى المستمعين أمام فسح المجال للموقف الذي يدعم تدخل الجيش.
ودعت الهيئة الصحفيين إلى التحلي بالمسؤولية الاجتماعية أثناء أدائهم لمهامهم في كنف حرية الاتصال السمعي والبصري مع مراعاة قواعد وأخلاقيات المهنة الصحفية.
بعد الاطلاع على دستور الجمهورية التونسية المؤرخ في 27 جانفي 2014 وخاصة أحكام الفصلين 02 و49 منه،
وعلى المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري،
وتبعا لما تم بثه بإذاعة المنستير العمومية بتاريخ 1 ديسمبر 2020 على الساعة العاشرة صباحا في حلقة برنامج “الرأي والرأي المخالف” وهو برنامج قائم على فكرة تناول موضوع يطرح جدلا يتخذ خلاله صحفي وصحفية مواقف متناقضة، فيتم الحجاج بينهما ثم يقع فتح المجال للمستمعين والمختصين لإبداء آراءهم، وقد ورد موضوع البرنامج المشار إليه أعلاه في شكل سؤال مفاده “هل أنتم مع أو ضد التدخل العسكري لإنقاذ البلاد؟”
واعتبارا للبس الذي اعترى بعض فقرات البرنامج وما أثاره من ردود أفعال لدى المستمعين، تولى مجلس الهيئة على إثر اطلاعه على تقرير وحدة الرصد توجيه الدعوة لكل من الرئيس المدير العام بالنيابة لمؤسسة الإذاعة التونسية ومديرة إذاعة المنستير العمومية لجلستي استماع عن بعد بتاريخ 02 ديسمير 2020،
وحيث أكد الرئيس المدير العام بالنيابة لمؤسسة الإذاعة التونسية تبعا لجلسة الاستماع إليه أنه حال علمه بالموضوع تولى اتخاذ الإجراءات التي ارتآها ضرورية والمتمثلة في فتح تحقيق في الغرض بعد أن توصل بتقرير وحدة الجودة والرصد الخاصة بالإذاعة التونسية وقد خلص التقرير إلى حسب ما أفاد به أن ما ورد في البرنامج يشكل عدم احترام لمقتضيات الفصلين 02 و18 من دستور الجمهورية التونسية على اعتبار مسه بمبادئ الدولة المدنية الديمقراطية،
وحيث على إثر ذلك تولى مجلس الهيئة سماع مديرة إذاعة المنستير العمومية التي أكدت وفقا لما تحرر عليها أنه حال علمها بالموضوع اتصلت بمدير البرمجة للاستفسار حول موضوع الحصة “تدخل الجيش لإنقاذ البلاد” وأكدت أنه حسب دليل البرنامج فإن موضوع الحصة هو تدخل الجيش لحماية المنشآت والمؤسسات وأشارت أنها تدخلت في الابان أثناء الجزء الثاني من البرنامج (من 11.00 إلى 12.00) لدعوة الصحفيين إلى توضيح موضوع الحصة بدقّة، كما أشارت أن مقدمة البرنامج قامت بالتعديل في آخر الحصة عبر إشارتها إلى أنها لا تتبنى شخصيا الموقف الذي دافعت عنه وأن طرح الموضوع يأتي في إطار فلسفة البرنامج في محاولة لإيجاد حلول للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد،
وحيث أن النقاش العام في وسائل الإعلام بخصوص المواضيع التي تطرح على الساحة السياسية لا يمكن تقييده إلا لضرورة تقتضيها مبادئ الدولة المدنية وقواعد التعددية الفكرية والسياسية بشكل لا ينال من جوهر الحقوق والحريات الأساسية ومن أهمها الحق في حرية الرأي والتعبير وشريطة الالتزام بالقواعد المهنية والأخلاقية ووظيفة وأهداف المرفق الإعلامي العمومي، وتسجل الهيئة، استنادا للقواعد المهنية، تحفّضها بخصوص طريقة تناول موضوع هذا البرنامج الذي تزامن توقيته مع الجدل داخل مؤسسات الدولة والأحزاب والمجتمع المدني بخصوص إطلاق مبادرة حوارية وطنية للبحث في سبل تجاوز الوضع الصعب والمتوتر الذي تمر به البلاد،
وحيث أن مفهوم الاعلام العمومي لا يمكن أن يتحقق إلاّ في ظل دولة مدنية ديمقراطية تعترف بقيم الاختلاف وتناهض التسلط والرقابة المسبقة، وخلاف ذلك فهو يؤدي الى العودة لمنظومة الإعلام الحكومي الموجّه.
وحيث أفادت السيدة المديرة العامة لإذاعة المنستير أن دليل البرنامج الأصلي تضمن السؤال المحوري على النحو التالي: هل أنتم مع أو ضد تدخل الجيش لحماية المؤسسات؟ ولكن في البرنامج أصبح السؤال “هل أنتم مع أو ضد تدخل الجيش لإنقاذ البلاد؟”، وهو مخالف جوهريا لما ورد في دليله المسلّم للإدارة وهو ما تعتبره الهيئة خرقا يستدعي التحقيق وتحميل المسؤولية لتعارضه مع قواعد المهنة الصحفية وأخلاقياتها،
وحيث علاوة على ذلك فقد تم تسجيل عدم توازن في طرح وجهتي النظر وفسح المجال للموقف الذي يدعم تدخل الجيش من خلال تصريحات مقدمة البرنامج والعينات المأخوذة من التدخلات عبر الهاتف أو التعليقات على صفحة الفايسبوك الرسمية للإذاعة، وهو ما أحدث خلطا ولبسا لدى المتابعين والمستمعين،
وتنبه الهيئة اعتبارا للإخلالات المهنية التي تضمنتها حلقة البرنامج المذكور والتي تمثل خرقا لمقتضيات المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 إلى ضرورة التفعيل الحقيقي لآليات التعديل الذاتي ومجالس التحرير التي تمثل أطرا لتعديل المضامين الإعلامية وضمان جودتها دون الخروج بها من دائرة النقد إلى استعمالها في الضغط على المؤسسات الإعلامية والصحفيين، وحيث أن المؤسسة المعنية بالخرق تولت القيام بدورها التعديلي، إضافة إلى أن الجمهور الواسع وفي إطار النقاش العام الذي أثاره هذا البرنامج عبّر عن رفضه فكرة تدخّل الجيش وذلك بشكل واسع عبر مختلف وسائل الاتصال السمعي البصري، لذا ولهذه الأسباب،
قرّر مجلس الهيئة في جلسته المنعقدة بتاريخ 02 ديسمبر 2020 لفت نظركم للاخلال المسجل في برنامج “الرأي و الرأي المخالف” الذي تم بثه على اذاعة المنستير العمومية بتاريخ 1 ديسمبر 2020.
شارك رأيك