ولئن فشلت صفاء الهاشم في الترشح مرة أخرى إلى البرلمان الكويتي الجديد، فإن عبير موسي لم تنجح إلى حد الآن في قلب المعادلة السياسية في البرلمان، و لكنها على عكس صفاء الهاشم قادرة على فرض صوتها و أسلوبها في الانتخابات القادمة نظرا لكونها و حزبها الدستوري الحر يوجدان اليوم على رأس استطلاعات الرأي.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
لمّا سمحت الدول العربية للمرأة بالترشّح للبرلمان، أرادت أن تمكّنها من حقها في الترشّح والترشيح، وأن تدافع عن حقوق نساء بلدها بكل حرية وديمقراطية ودون إثارة ولا شغب، كما أنها تسعى لإيجاد حلول للمشكلات التي تعاني منها البلاد التي تنتمي إليها، وعلى مرّ التاريخ وفي أغلب الدول العربية نالت المرأة ما تريد نسبيا من الدخول إلى عالم البرلمان والترشّح لمنصب عضو فيه وربما في بعض البرلمانات اكتسبت ثقة الدولة والنواب لتكون رئيسة للمجلس أو نائبة للرئيس، وحققت المرأة في ذلك من وجودها المؤثر إنجازات تتفاوت من دولة إلى أخرى حسب قدرتها على التحدي والصمود، وفسح لها المجال للتعبير عن آرائها بكل حرية، على أن البرلمانات العربية ليست متماثلة إلى حدّ بعيد، فالمرأة التونسية بعد الثورة لها مساحة من الحرية أكبر من المرأة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمرأة الخليجيّة ربما تتمتّع بحقوق أكبر من تلك المرأة العربية في شمال إفريقيا أو في حوض المتوسط، وكذلك المرأة في بعض الدول المحافظة ربما تعاني من محدودية المشاركة في البرلمان لاعتبارات ايديولوجية وعُرفية.
وتختلف الدول من دولة إلى أخرى، حسب العادات والتقاليد وحسب المستوى السياسي الذي يمنح المرأة المشاركة في البرلمان وبنسب معينة، وفي بعضها الآخر ما زالت المشاركة محتشمة لا ترقى إلى المستوى المطلوب ولن تستطيع المرأة من خلاله أن ترقى إلى الطموح الذي تبتغيه، ولئن كان دور المرأة حضاريّا ومؤثّرا في البرلمانات العربية فإن بعضهن ارتأى إعلاء الصوت والاحتجاج المتواصل كوسيلة للشهرة والسيطرة على مجريات العمل في البرلمان، ولنا نماذج وشواهد على ذلك في عدة برلمانات أهمها العضوة في البرلمان التونسي عبير موسي التي آلت على نفسها أن تسقط رئيس البرلمان الشيخ راشد الغنوشي وكتلة النهضة، وكم مرّة أوقفت جلسات البرلمان وأزعجت الأعضاء بمطالباتها واحتجاجاتها للوصول إلى هدفها.
كما ظهرت على الشاشات النائبة في البرلمان الكويتي صفاء الهاشم بتحديها وجرأتها ومحاولة إثارة المواضيع الحساسة، وربما أضفت على الجلسة نوعا من الشغب غير المبرر، وغير ذلك مما تقوم به من مداخلات أثارت جزء من الرأي العام الكويتي والعربي، في سعي إلى منع الإسلاميين من التحكم في البرلمان والسيطرة على دواليب الأحداث في البلاد.
وهذه المشاغبات التي تحدث بين الفينة والأخرى، وتعطّل عمل المجلس في أغلبها كما يحدث في تونس يبين مدى ضعف القانون الداخلي للبرلمان في الحدّ من هذه المهازل التي تتكرّر والتي يبدو أنها لا تتوقف ما دام ليس هناك قانون يحسم هذا الجدال ويحدّ من إزعاج النواب والنائبات، فأن ترى رجلا يفعل ذلك فلا تستغرب إذ من طبيعة
بعض الرجال سرعة الغضب وإعلاء الصوت ومحاولة جذب الانتباه من خلال مداخلات رنانة تعبق بكلمات السب والشتم وتختصر المشهد الهزلي للبرلمان، لكن أن يحدث ذلك من امرأة فذلك من النادر حدوثه إلا إذا كانت تلك المرأة تملك من الجرأة والحماسة والكياسة والدهاء ما يجعلها محل إعجاب من قبل البعض ونقمة من البعض الآخر.
ولئن فشلت صفاء الهاشم في الترشح مرة أخرى إلى البرلمان الكويتي الجديد، فإن عبير موسي لم تنجح إلى حد الآن في قلب المعادلة السياسية في البرلمان، و لكنها على عكس صفاء الهاشم قادرة على فرض صوتها و أسلوبها في الانتخابات القادمة نظرا لكونها و حزبها الدستوري الحر يوجدان اليوم على رأس استطلاعات الرأي حيث أن عددا لا يستهان به من التونسيين يوافقون على مجمل مواقفها و يرون أن الإسلاميين هم رأس الداء في الأوضاع المتردية والمتأزمة التي وصلت إليها تونس خلال السنوات العشر الأخيرة بينما كانت أوضاعها أفضل بكثير على المستويين الاقتصادي والاجتماعي خلال فثرة حكم الديكتاتور بن علي.
* محلل سياسي.
شارك رأيك