تعيش جزيرة جربة حالة من القلق على أبنائها الشباب التسعة الذين فارقوها على حين غفلة من أهلها ابتغاء الوصول إلى الأراضي الإيطالية في جزيرة لامبادوزا ومنها إلى فرنسا الدولة الحلم التي يراها كل شاب أنها المكان المثالي للعمل والراحة والسّكن وجلب المال والعيش بسعادة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
القصة مؤلمة من بدايتها إلى نهايتها، ولم تنته بعد، الغريب في ذلك أن الدولة التونسية لا تهتم بشبابها الذي يسافر عبر قوارب الموت وتنقطع أخبارهم عن أسرهم التي تمزّقت قلوبهم بالحيرة والقلق على أبنائهم بعد أن انقطع الاتصال بهم وهم يجوبون البحر الهائجة أمواجه بحثا عن ملاذ آمن للُقمة العيش بعد أن يئسوا من وجودها في بلادهم التي أنهكها الجوع والفقر والبطالة وأضحت ملاذا للإرهابيين الذين يجوبون شوارعها شاهرين سيوفهم وسكاكينهم لطعن من يعتقدون أنه يحمل مالا أو جمالا، فيفعلون الأفاعيل ويلحقون الأذى بالبراعم والشباب والفتاة العذراء والمرأة والشيخ وكل من يعترض طريقهم.
فمنذ 19 أكتوبر 2019م خرج الشباب التسعة من جزيرة جربة أملا في الوصول إلى الضفة الأخرى التي تحمل السعادة، وكلهم متفائلون بالغد الأفضل، بعد معاناة من اليوم الحاضر، كانت نفوسهم تواقة إلى المستقبل القريب مثل أقرانهم الذين وصلوا وسعدوا، سواء عملوا أو درسوا، وعاشوا في تلك البقاع، وظنوا أنهم سينهون حالة التعب والإرهاق النفسي الشديد الذي كانوا يعانون منه في بلادهم، وحالة الأرق التي تصيبهم وهم يصبحون على ما يُمسون عليه من شظف العيش وقلة الحيلة، أبت نفوسهم أن يسلكوا الطريق الخطأ فاختاروا طريق الهروب من الواقع بعد أن تأزمت أوضاعهم المعيشية وبعد انسداد جميع الآفاق، وبعد أن شعروا بالمهانة في بلادهم.
حقا إنها المهانة في بلاد لا تبحث عن شبابها، ولا تقف معهم في مثل هذه الظروف الحالكة، ولا توفر لهم المكان الآمن، والوظيفة اللائقة، وتقيم لهم دورات وملتقيات، تبحث في مشكلاتهم، ولماذا يجنح بعضهم إلى الانحراف، ولماذا لا يفكرون في عمارة البلاد بدل الهجرة إلى المجهول، هل من حق أي شاب صالح أن يفكر في الهجرة أمام هذا الوضع المأساوي والبؤس الذي يلقاه في بلاده، أم عليه بالصبر والكدح والتعب والشقاء، في ظل ظروف سيئة للغاية،؟ والجواب طبعا، قد تعذرهم من ناحية ولا تعذرهم من ناحية أخرى.
حديث اليوم عن تسعة شباب محدّدين خرجوا من جزيرة الأحلام إلى بلاد الأحلام، وما بين الحلم الأول والحلم الثاني فرق كبير، لأن طريق الوصول صعب المنال أمام استحالة الحصول على تأشيرة قانونية من السفارة الفرنسية في تونس، فالحلم الأول لم يتحقق والثاني يريدونه أن يتحقق بعد عبور امتحان صعب، ربما تجتازه وتسعد وربما تغرق فيه وتُنسى، ولأن هؤلاء مواطنون تونسيّون سواء من جربة أو غيرها لهم حقٌّ على الدولة التونسية لذلك نكتب هذا المقال ونوجّهه إلى الدولة التونسية رئاسةً وحكومةً وبرلمانًا للبحث عن المفقودين التسعة، وإدخال البهجة والفرحة على نفوس أسرهم التي تتألم كل يوم مئات المرات من فقدهم وفقدانهم وعدم وجود أي خبر عنهم منذ ذلك التاريخ.
فأي قسوة تلك التي تتعامل بها دولة تجاه شبابها الذين فُقدوا، حتى لو أخطأوا، فتعلّمُوا أيها المسؤولون من الغرب كيف ينافحون ويكافحون من أجل الحصول على معلومة عندما يفقدون رجلا أو امرأة، وكيف ان الإعلام يهتزّ بأكمله من أجل التعريف بهم وبهوياتهم، ويتّصلون بجميع المنظّمات الإنسانيّة المعنيّة بالبحث عن مفقودين ولا يتركون بابا إلا ولجوه، فلماذا أنتم متقاعسون؟ ولماذا أنتم ساكتون؟ ولماذا تنسون شبابنا وهم في عمر الزهور.
رسالة مني ومن أهل جزيرة جربة إلى كل المعنيين في الدولة التونسية أن يبحثوا عن هؤلاء الشباب التسعة الذين سافروا منذ أكثر من سنة ولا نعرف عنهم شيئا ولم يتصلوا بأهاليهم، وأريد أن أذكر أسماءهم حتى تظهر للجميع لمن يريد المساعدة والبحث على جميع المستويات: أمين بن عياد بن دعلي – بشير بن ضو الودرني – أسامة بن جيلاني الصيد – ريان بن محمود الغبنتني – كمال بن بشير فرحات – سيف الدين بن عبيد حامدي – صابر بن نجيب كروية – أمين بن علي هذبول – عبد الوهاب بن الطاهر العكوي.
وشكرا لمن تحمّل المسؤولية وبحث وعمل على إدخال البهجة والسرور على قلوب أهاليهم، ونأمل أن يكونوا أحياء يرزقون لتعود الحياة إلى قلوب أسرهم، ونخشى أن يكونوا غير ذلك ولا نريد أن نقول غير ذلك حفاظا على رهافة قلوب بعض أقاربهم.
شارك رأيك