غدًا السبت 19 ديسمبر 2020 أمام قصر بلدية الكرم يتجمّع مُناضِلو رابطة حقوق الإنسان ومُساندِيهم لِلْاحْتِجاج السلمي على حادثة الاعتداء على مقرهم الكائن بِالكرم في ضاحية تونس الشمالية.
بقلم فتحي الهمامي *
ففي 10 ديسمبر من الشهر الجاري أي في يوم الاحتفال باليوم العالمي لِحقوق الإنسان نزل خبر تسلّل فتحي العيوني (رئيس بلدية الكرم) إلى مقر فرع تونس الشمالية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان٬ وفي غفلةٍ من مُناضلِي الرّابِطة قام بِكسْرِ أقفاله والعبثِ بِمحتوياتِه كما اقتلعِ لافِتتهُ.
والدهر في تصرفه عجيب كما يقول الشافعي . ومن تصرّفات الدهر على تونس الأبية أنْ يتولى العيوني السلطة البلدية على قِسْمٍ من أرْضِها٬ وأن يتم الاحتفال بيوم حقوق الإنسان بِإنزالِ راية حقوق الإنسان٬ وأن تجِدَ الرابطة نفْسها مُنصرِفة (ولوْ لِيوم واحد)- تقريبا لِأولِ مرّة بعد الثورة – إلى الذوْدِ عن حُقوقها٬ ومُنصرِفةٌ عن الدفاع عن حقوق منْ لم تسْلم حُقوقهم. تِلك المنظمة التي لهَجَ العالم كلّه باسمِها في 2015 عند حُصُولها على جائزة نوبل للسلام٬ في حين يذكرُها العيوني لِلإساءةِ إليها.
فتحي العيوني الأُلْعُبان خطّط ونفّذ كما عمل على الْتعمية على فِعلتِهِ النكراء٬ وهي كذلك لأن واقعة التسلّل مُشينة ووحدها النفوس الصغيرة قادرة على ذلك الأذى٬ إذْ حِرْصِ على ستْرِها بِحجابِ الدين بإسنادِ المحل المُستوْلَى عليْه – فِي الحال- إلى جمعية قرآنية. ولَوْلا بعضُ التقيّة لَقادَ العيوني غزوة الكرم تحْت هُتافات التكبيرِ أو تحْتَ راية العُقابِ إرْضاء لِمريدِيه وتودّدا لِأميره الجديد.
وهل يخْفى على من له بصيرة أنَّ الرجل عزم (منذ مدة) على لُبْس العِمامة حيلةً٬ وعلى مُلاعبة عواطِف الناس الدينية ومُداعبتِها٬ لِحجْبِ فشلِه في تحقيق ما ينفع الناس؟ ألعوبة سِمتها المُخاتلة والمُخادعة تجنّبُه وأمثاله – ولوْ إلى حين – امتحان المُحاسبة وتُجنِبهم سؤال المواطن٬ ثُم أن عائداتها في باب الاستثمار السياسي غير قليلة.
ألمْ يُروّج العيوني لِمشروعِ صندوق ادّعى زُورا أنّه مُخصّصا للزكاةِ؟ وقد قال أهل القانون وأقرّوا بِصبْغتِه المُتناقِضة مع مبادئ الدولة المدنية والمخالفة للقانون. وقتها أعدّ – الرّجل ومرشدوه – العدّة وتأهبُوا لِلْتحايلِ على جيوبِ متساكني بلدية الكرم ومنّوا النفس بِغزْوِها٬ تحت سِتارِ الإيمان والدين. ولكن تصدّي القوى المدنية القوي (في طليعتِها الرابطة) لِذلك المخطط٬ خيّب مسعاهم وعثّر نواياهم فاكتفوا بِنصْبِ وتدشينِ لوحة رُخاميةٍ بائِسة للصندوقِ المزعوم.
ولأن الإغارة الأولى كانت فاشلة انْدفع العيوني دون حياء٬ لأن الحَياء خُلُقٌ يحثّ صاحِبهُ على اجتناب القبيح ويمنع مِن التقصير في حقِّ ذي الحقِّ (ابن حجر)٬ نحو إغارة ثانية
على مقرِ الرابطة بِالكرم׃ دخلُه دون إذن وتعدّى على أسراره. أليْس في ذلك الصنيع غدر وصفاقة٬ وهو الّذي فاق والحق يُقال أفعال بن علي ضدّ دور الرابطة في زمنٍ فائت؟
للتاريخ في ذلك العهد كانت غزوات المقرات تتمّ من خلال المُحاصرة بِجحافل البوليس، أو الضغط على ملاكي المقرات لِاسْتِعادتِها من الرابطة أو الامتناع عن كرائها (معين الكراء من جيوب المناضلين لِمن لا يعلم)، ولكن بن علي كان يتَفَادَى صراحة دفع أعوانه إلى غزْوِ مقرّات الرابطة في وضحِ النّهار. إذ اِسْتعاضَ عن ذلك بِزيارات “تفقديِّة” ليلية لِمجهولين لِتصويرها وكأنّها حادثة إجرامية عادية.
وأُحِبُ أن أذكّر هنا أن محلات الرابطة – وهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة – كانت في ذلك الزمان٬ على تواضعِها وضيقها٬ فضاءً واسِعا يُستنشق داخِله هواء الحرية ومكان رحب لِبثِ روحِ الأمل في غدٍ ديمقراطيٍّ. في حين كان الآخر في مقرات من نوع آخر يُسبِغُ المديح على الأمير بن علي لِيُسْبِغَ عليه النّفقة٬ وتحت إمْرتِه لِمُناوئة المنظمة الوطنية العريقة.
وها أنّ التاريخ يُعيد نفسه بِإقدامِه بِأمر من أُمراءه الجُدد على فِعل أهوج٬ هم يعملون على قصف أعمدة البلاد٬ ضدّ منظمة وطنية عريقة عمرها أكثر من 44 سنة٬ وضدّ أول منظمة حقوقية على المستوى الإفريقي والعربي٬ لَها من الحُضور الوطني والإشعاع الدولي ما يُزعج غير الوطنيين ولكنه يرفعُ رأس تونس إلى السماء.
نقول في الأخير إنّ ما اقترفه العيوني في حقّ الرابطة – التي ناضلتْ في صُلبها الأجيال والتي قدمت أسماء كبيرة في سبيل البلاد من بينها׃ حسيب بن عمار٬ مختار الطريفي٬ سعدون الزمرلي٬ فاضل الغدامسي٬ محمود بن جماعة٬ آسيا بلحسن ٬ صالح الزغيدي … والّتي قارعت وتُقارع الاستبداد والمدافعة عن الحقوق والحريات والناشرة لثقافة حقوق الإنسان – ليس تَشَامُخَا أوْ تطاولا عليْها لأنّه بِبساطة نقول ׃ “مناش ملي يتذلوا ومناش ملي من نصف الطريق يولوا”.
* عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
شارك رأيك