تونس تضيع فرصة أن تكون أول دولة عربية تحظى بشرف الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية في شخص مرشحها هيكل محفوظ و تضيع خاصة فرصة خدمة القضية الفلسطينية في أشد المراحل التي هي في حاجة فيها للدعم. والسبب في ذلك تخاذل رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية في دعم المرشح التونسي.
بقلم عاطف حمزاوي *
30أفريل 2020 كان يوما مفصليا في التاريخ الحديث، حيث أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا الولاية القضائية لمحكمة الجنايات الدولية على الإنتهاكات والجرائم في الأراضي الفلسطينية و أنه يمكن للسلطة الفلسطينية نقل الاختصاص الجنائي على أراضيها إلى لاهاي و إسناد المحكمة صلاحية التحقيق في جرائم حرب في فلسطين.
إن أهمية هذا القرار تتجاوز إمكانية ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لكبار السياسيين والضباط العسكريين الإسرائيليين و محاكمتهم بتهم جرائم حرب، فله تداعيات كبيرة على القضية الفلسطينية بما أن اعتراف المحكمة بالولاية القضائية هو اعتراف بالدولة الفلسطينية وسيادتها، كما سيكون لهذا القرار تداعيات كبيرة على مستوى العلاقات الدولية بما أن الدول الأعضاء في المحكمة مطالبة بتنفيذ طلبات الاعتقال والتسليم الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية.
تخبط و ضعف الديبلوماسية التونسية
و قد تم بالفعل فتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية بعد أن أحال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في 22 ماي 2018 الوضع في فلسطين إلى مكتب المدعي العام، مطالباً المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق، وفقاً للولاية القضائية الزمنية لـ المحكمة، في الجرائم السابقة والجارية والمستقبلية في إطار السلطة القضائية للمحكمة، والتي تُرتكب في جميع أنحاء أراضي دولة فلسطين. ووفقاً للطلب، فإن دولة فلسطين تضم الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، كما حددها خط الهدنة لعام 1949، وتشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.
لكن أعمال المحكمة تعطلت و عرفت بطئا أولا بسبب جائحة كورونا و ثانيا بسبب جلسة التجديد لتعويض ستة قضاة من أعضاء المحكمة. هذه الجلسة انعقدت يوم 23 ديسمبر 2020 و قد انحصر التنافس على إحدى مقاعدها بين المرشح التونسي و رجل القانون هيكل بن محفوظ و مرشحة دولة سيراليون وقد فازت هذه الأخيرة في الانتخابات وسط بهتة من عديد الأطراف. فبالرغم من الكفاءة العالية للمرشح التونسي الذي يحظي باحترام الجميع إلا أن تخلي وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية التونسييتين عن دعمه في سابقة غريبة و عدم توفير ميزانية له و عدم حشد الدعم السياسي والدبلوماسي الضروري في مثل هذه الترشيحات قلص من حظوظه بشكل كبير وهو ما ضيع على تونس فرصة ان تكون اول دولة عربية تحظى بشرف الانضمام الى هذه المحكمة الدولية و خاصة فرصة خدمة القضية الفلسطينية في أشد المراحل التي هي في حاجة فيها للدعم.
إدارة قصر قرطاج للشأن الديبلوماسي تراكم اللفشل
هذا التخبط و الضعف في الدفاع عن المصالح الديبلوماسية ليس بسابقة حيث تفاجأة الأوساط الديبلوماسية الدولية بعدم تحمس السلطات التونسية لترشيح خميس الجينهاوي من قبل الأمين العام للأمم المتحدة لخطة مبعوث الأمين العام الخاص لليبيا بعد استقالة غسان سلامة و تحججت وقتها السلطات التونسية بدعمها للمرشح الجزائري و الذي لقي معارضة من قبل دول عظمى في حين يحضى وزير الخارجية التونسي السابق بإحترام أعضاء مجلس الأمن الدولي و تقديرهم.
فشل المرشح التونسي في نيل عضوية محكمة الجنايات الدولية يتعدى شخصه ليمثل فشل الديبلوماسية التونسية في الدفاع عن مصالحها في معركة كانت محسومة مسبقا لصالح المرشح التونسي خاصة أن منافسته هي ممثلة دولة سيراليون التي لا تقاليد ديبلوماسية و لا ديمقراطية لها و يطرح هذا الفشل أكثر من سؤال حول إدارة قصر قرطاج للشأن الديبلوماسي أمام هذه الفضيحة التي ستبقى عالقة في الأذهان لسنوات.
* مختص في علم الإجرام والعلوم الجنائية و خبير دولي في الأمن و قضايا الإتجار بالبشر والجريمة المنظمة.
شارك رأيك