بفقدان البرنامج، والتحالف مع الفساد، والوعود الكاذبة باتت حركة النهضة مكوّنا أساسيا من مكونات “الثورة المضادة”. والنتيجة أن تونس اليوم تفتقد إلى سلطة وطنية، تدير ثروة البلاد بالعدل، وتحفظ السيادة.
بقلم محمد الحبيب الأسود *
رغم أن حركة النهضة، وعلى حد تعبير السيد راشد الغنوشي، تفتقد للنخبة الفاعلة ولرجال الدولة الذين يصنعون المصداقية والثقل والقوة والحماية للحركة، ورغم تمتعها بقاعدة أتباع وانتماء عاطفي لا يتغيّر بتغيّر بوصلة قيادتها سياسيا أو عقائديا أو أخلاقيا، فإن خصومها يشتركون معها في الفشل وعدم القدرة على إدارة أزمات البلاد، أين ما كان موقعهم في الحكم أو المعارضة أو على رفوف الانتظار، وهذه حقائق لا يستطيع أحد طمسها…
غير أن كل من رام تبرير فشله وعدم قدرته على الحفاظ على استقلال القرار التونسي وسيادة الدولة التونسية، وذهب إلى الاصطفاف وراء الهيمنة الإمبريالية والتطبيع مع الكيان الصهيوني من بوابة التحالف مع أردوغان الكمالي العصملي، أو التمسك بجلباب فرنسا المستعمرة… حاجك بـ”تلك هي إكراهات السياسة”، ورمى فشله على “الثورة المضادة”…
… وانتصرت الثورة المضادة
الثورة المضادة هي ثورة مُقامة بالأساس على الضد أو الردة والجذب إلى الوراء… لمّا انتفض أفراد الشعب التونسي ضد البطالة وغلاء المعيشة والتهميش، تحت شعار الكرامة الوطنية، وأداروا حراكا ثوريا لوحدهم بمعزل عن الأحزاب وقياداتها، تم اغتصاب إرادتهم، وحوّلت القوى النافذة في العالم وجهة حراكهم الثوري إلى انقلاب في هرم السلطة، فلم ينتج حراكهم سلطة وطنية تدير ثروة البلاد بالعدل، وتحفظ السيادة والأرض… وانتصرت الثورة المضادة التي تشكلت من أحزاب وشخصيات اعتبارية لطالما كانت مصطفة ضد النظام البائد… فالذين وقفوا ضد قانون العزل السياسي، هم الثورة المضادة، والذين سنوا قوانين العفو والمصالحة مع رموز الفساد والاستبداد الذين نهبوا ثروات البلاد واستثروا من أموال الشعب، هم الثورة المضادة، والذين توافقوا وتحالفوا مع رموز النظام الساقط، هم الثورة المضادة، والذين تنكروا لهوية البلاد العربية والإسلامية، هم الثورة المضادة، والذين وضعوا اقتصاد البلاد تحت وصاية صندوق النقد الدولي، هم الثورة المضادة، والذين وقفوا في البرلمان ضد الشفافية في عقود استغلال البترول التونسي، هم الثورة المضادة.
فقدان البرنامج، والتحالف مع الفساد، والوعود الكاذبة
كما أن الذي عانق الصهيوني المقبور جون ماكين (حمادي الجبالي)، هو الثورة المضادة، والذي قال عن نفسه وعن حزبه: “يمكننا أن نكون حلفاء استراتيجيين لأمريكا”، وحَلّ ضيفا على “معهد سياسات الشرق الأدنى” بدعوة من مجموعة AIPAC الصهيونية، وطمأنهم بـ”لا عداء لإسرائيل في الدستور التونسي الجديد” (راشد الغنوشي) هو الثورة المضادة…
وهكذا بفقدان البرنامج، والتحالف مع الفساد، والوعود الكاذبة، والتماهي مع سياسة المحاور، باتت حركة النهضة مكوّنا أساسيا من مكونات “الثورة المضادة”… ليس لعاقل في تونس أن يقنع عاقلا آخر، بأن حركة النهضة وحلفاءها في الحكم منذ 2011 تونسيون يعملون من أجل تونس أرضا وشعبا وسيادة… فتونس ليست جنسية فحسب، إنما هي انتماء وأصالة وشرف
* قيادي سابق في حركة النهضة.
شارك رأيك