يشهد الوضع الوبائي بالبلاد التونسية في الآونة الأخيرة تدهورا خطيرا قد ينذر بالوصول لنقطة اللاعودة ولعل أبلغ ما يفسر درجة الخطورة الحالية هي الأرقام الرسمية المعلنة من قبل وزارة الصحة حيث أنها تبرز وفاة مواطن تونسي كل 20 دقيقة متأثرا بفيروس كورونا وهي ما تعتبر معدلات مفزعة بكل المقاييس.
بقلم طه عبد القادر العلوش *
التلقيح أوالحجر
تتعددالآراء في رسم مقترحات للخروج من الوضعية الحرجة التي تعيش على وقعها المنظومة الصحية من ضغط مستمر على أقسام الاستعجالي وخاصة أسرة الإنعاش ما من شأنه ان يؤثر سلبا على العناية بالحالات الحرجة في الإبان علما وأننا سنواجه الفيروس لأشهر قادمة دون أهم سلاح ألا هو التلقيح ليبقى الحجر الصحي الشامل ولو لفترة قصيرة تتراوح بين 3 او 4 أسابيع على أقصى تقدير الوسيلة العلمية الأنجع للحد من التضاعف الجنوني للحالات وكسر حلقات العدوى شرط تطبيقه بشكل حازم. هذا بالإضافة إلى مواصلة المواظبة على برتوكولات الوقائية. فيما يخص بقية الحلول المتاحة من حجر جهوي أو محلي فإنها لا تعدو أن تكون إلا أنصاف حلول لن تؤدي إلى تغير جوهري في الوضع الوبائي الحالي حيث أن 19 ولاية من أصل 24 تعرف نسق عدوى عال يحتم اتخاذ إجراءات جديدة للسيطرة على الجائحة حسب نصاف بن علية مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة.
سياسة عقيمة
ونتيجةً لذلك يعيش المواطن التونسي اليوم في ظل مناخ من الخوف وانعدام الثقة في من يدير هذه الأزمة الصحية خاصة وانه لا يلامس نتائج فعلية لكل الإجراءات المتخذة منذ الخريف الماضي و ساهمت التصريحات المتعددة و المتضاربة في خصوص تاريخ وصول الجرعات الأولى للتلقيح في مزيد إضفاء الحيرة و الضبابية على مستوى الرأي العام. فبالنسبة للوزارة وطاقمها حددت الثلاثي الثاني من السنة الحالية كأجل مرجعي لقدوم شحنات التلاقيح في حين اعتبر رئيس الحكومة هشام المشيشي أن منتصف فيفري سيكون موعد تلقينا الدفعة الأولى وقد دعمه في ذلك مدير معهد باستور ورئيس اللجنة المختصة بهذا الموضوع الهاشمي الوزير.
يلاحظ المواطن التونسي بمجرد متابعة بسيطة لما يحدث في العالم على مستوى تقدم عمليات التلقيح أن عديد البلدان تمكنت لا فقط من توفير الجرعات اللازمة بل أيضا من تصعيد وتيرة تطعيم شعوبها مما يجعلها في طريق مفتوح للخروج من الأزمة وهنا لا نتحدث عن البلدان المتقدمة التي تملك حتما قدرات لوجستية مالية تفوقنا بكثير بل يشمل هذا الأمر البلدان الخليجية وخاصة دول مشابهة لنا كالأردن والمغرب والشقيقة الجزائر.
الخيار الخاطئ
تعود الأسباب الحقيقية لتأخرنا في جلب التلقيح و اقتنائه أساسا إلى مراهنة المسؤولين التونسيين على تطوير اللقاح الفرنسي (سانوفي) وكانت المفاجأة غير السارة حينما جاءت نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية مخيبة للأمال حيث أعلن هذا المخبر عن عجزه عن توفير اللقاح قبل موفى 2021 في أفضل الأحوال لتجد تونس نفسها في وضعية تسلل أجبرتنا على التفاوض مع المخبر الأمريكي (بفيزر) ولكن بتأخر وتقاعس كبيرين ين لعدم قدرتنا على الاستشراف واتخاذ القرارات المناسبة في حينها مما جعلنا نتذيل قائمة الانتظار فجل البلدان التي حجزت كميات هامة من الجرعات قامت بذلك بصفة استباقية أي قبل صدور نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لهذا المخبر.
في نفس المضمار لم تتمكن تونس من المشاركة في التجارب السريرية لعدة لقاحات أخرى كاللقاح البريطاني أو الروسي أو الصيني وهي الخطوة التي أتاحت لبلدان كمصروالمغرب التمتع بكميات من هاته اللقاحات بصفة مبكرة وحصرية إثر اعتمادها.
الحل المنقوص
حاولت تونس استدراك الأمر بتقديمها طلب انخراط في منظومة كوفاكس وهي عبارة على مبادرة تحت إشراف منظمة الصحة العالمية تسعى إلى التوزيع العادل للقاح بين مختلف البلدان النامية والأكثر فقرا عبر توفير جرعات كافية بشكل تدريجي لتطعيم حوالي 20% من تعداد الدول المعتمدة. تبقى هذه المحاولة رهينة قبول اعتماد تونس ضمن هذه الكوكبة من الدول غير أنه لم يتوضح إلى حد الآن الأفق الزمني لبداية التنفيذ الفعلي أو أنواع اللقاحات التي سيتم توفيرها من خلال هذه المبادرة.
تفيد كل هذه المعطيات الي صعوبة نجاح تونس في القيام بتلقيح 60% من أفراد شعبها في مدى قريب أو متوسط ما من شأنه تعميق الصعوبات الاقتصادية للبلاد حيث أن هذا الفشل سيترتب عنه إلغاء تام للموسم السياحي للسنة الثانية على التوالي وما لذلك من عواقب سواء على مدخرات البلاد من العملة الصعبة أو من الناحية الاجتماعية باعتبار العدد المرتفع للعاملين في هذا القطاع إذن فعملية التطعيم لا تمثل تحدي صحي فقط بل تتجاوزه لأبعاد مجتمعية واقتصادية.
في خضم كل الأخطاء التقديرية التي شابت عملية اقتناء لقاح كوفيد 19 بالطرق العادية من قبل الدولة التونسية لم يتبقى لها مجال لإنقاذ الموقف سواء الاعتماد على العلاقات الدبلوماسية لعلها تظفر باتفاق ثنائي مع الصين أو روسيا يمكنها من الحصول في أقرب الآجال على الكمية الضرورية لحماية الفئات الهشة صحيا والإطار الطبي وشبه الطبي.
* طبيب وناشط سياسي.
شارك رأيك