البلاغ الصادر يوم 31 ديسمبر 2020 عن “شيخ” مدينة ساقية الزيت كمال العلوش يمكن القول أنه مُثير ومُسْتَفِزٌّ. بل من الممكن اعتباره أَمَارَة على انبعاث منهج جديد في تسيير الجماعة المحلية مشابه لتسيير الإمارَة. من علاماته – في قضية الحال – تفسير غريب للفصل 153 من مجلة الجماعات المحلية، وفي أوضاع أخرى التفصي من الدستور ومقتضيات الدولة المدنية.
بقلم فتحي الهمامي *
في آخر يوم من السنة المنقضية، وعوض أن يرسل لمتساكني المنطقة البلدية الأمنيات بمناسبة العام الجديد، طلع الحاكم بأمره (رئيس بلدية ساقية الزيت) عليهم ببلاغ كأنه السَّيْفُ الْمُسْتَلُّ مِنْ غِمْدِهِ.
وقد جاء في البيان الأميري، الذي نادى به المنادي: “يا أيها الناس يأمركم صاحب الأمر والنَّهي بدفع الأداء البلدي المتخلد بذمتكم في الميعاد، ومن سيتخاذل أو يتقاعس فمولانا يبشره بالويل والثبور، إذ قرر غلق باب ديوان المظالم دونه فلن تقبل منه شَكْوى أوعَرِيضة أو إِلْتِمَاس”. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ألم يجد رئيس البلدية طريقة أفضل لاستخلاص مستحقات الجماعة المحلية من المدينين، سوى الامتناع (دون وجه حق) عن تقديم الخدمة البلدية لهم ؟ فهل سيعاقب الدولة – مثلا – بمثل ما سيفعل مع المواطن عند التأخر في دفع الموارد المحالة من السلطة المركزية إلى البلدية؟ أو يعاقب الوكالات والمنشآت العمومية المحلية عند التَخَلُّف في سداد المقابيض المقررة لفائدة البلدية؟
لا أظن ذلك! لهذا أقول: كيف لرئيس البلدية ان يقرر رفض قبول أي شكاية أو اعتراض أو مطلب من قبل المواطن، إلا عند الاستظهار بشهادة إبراء تثبت خلاص المعاليم البلدية، ألا يعتبر ذلك تجاوزا خطيرا للسلطة؟
ثم أليس من واجب الإدارة البلدية الحرص على خدمة كل المتساكنين وفق مبادئ الحياد والمساواة والنزاهة والشفافية والمساءلة … بل يعتبر التأخر في إسداء الخدمات للمواطن دون وجه حق خطأ جسيم موجب للمساءلة (الفصل 270 من مجلة الجماعات المحلية)؟
ليس هنالك من شك – إذن – ان امتناع مصالح بلدية ساقية الزيت – بمقتضى ذلك البلاغ – عن النظر في شكايات او اعتراضات او مطالب المتساكن هناك مخالف للقانون وللدستور فضلا عن أنه يعرض حياة ومصالح المتساكنين للضرر البالغ بل يمس من حقوقهم الإنسانية الأساسية.
إذ من حق متساكن المنطقة البلدية طلب تدخل المصالح البلدية في المجالات الراجعة إليها بالنظر ومن واجبها تقديم الخدمة دون شروط لردع (مثلا) أعمال مخلة بالراحة العامّة، أو مظاهر تلوث للمحيط والبيئة، أو مخالفات بناء وانتصاب غير قانوني. أو لحماية العموم من مخاطر حضائر البناء والأشغال، أو مراقبة صحة وزن البضائع المعروضة للبيع أو كيلها وصلاحيتها للاستهلاك، وغيره كثير. وعكس ذلك، أي الإمْسَاك والإِحْجام عن القيام بواجبها بدعوى عدم خلاص المعاليم البلدية، سيؤدي حتما إلى أشكال من الإنفلات والفوضى وإلى تراجع جودة الحياة في مدينة ساقية الزيت.
اما عن خلاص معاليم “الزبلة والخروبة” من قبل المتساكن فذلك من صميم واجبه، عليه استخلاصها في أوقاتها، ليؤكد صفة المواطنة فيه. ولكن لا يجب بأية حال معاقبته بذلك الشكل بسبب التاخر في دفعها كما ذهب إلى ذلك القرار.
* عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
شارك رأيك