لن أخوض في غموض المشهد السياسي المعروف من الجميع. ولكن وجب التذكير بأنّ ما نعيشه هذه الأيام من “حالات عنف هامشي” ليلي في مناطق مُعيّنة، و “حركات احتجاجية” نهارية تحت شعارات شبابية، هي بعض تجلّيات أو فروع الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ 2011.
بقلم العقيد المتقاعد محسن بن عيسى
الدولة واحتكار”العنف المشروع”
يبدو وكأنّ القيادات السياسية تجاوزتها الاحداث لتوجيه وترشيد حركات الاحتجاج المجتمعي… وحمايتها من الانزلاق نحو الفوضى والسلب والنهب والتدمير.
هناك قاعدة في العمل السياسي تقول: يجب ألاّ تبدو ضعيفا أمام خصمك ولو بالهروب إلى الأمام ويبدو أنّ تقديم مقترح “معاضدة الأمن الداخلي” يدخل في هذا الإطار. من الحمق استخدام غطاء الأمن الداخلي لضرب الخصوم وتجييش الشوارع. فالدولة هي التجمع السياسي الوحيد الذي يحتكر العنف المادي وأدواته، وهو احتكار مشروع للمحافظة على النظام وإنفاذ القوانين.
إنّ احتكار الدولة للعنف “المُمَأْسَسْ” لوحدها هو ممارسة طبيعية لأحد وظائفها لتنظيم المجال الاجتماعي وحفظ الأمن وتجنيب الصراعات واحتمالات المواجهة بين المصالح المختلفة والأيديولوجيات المُتباينة. والتسلّل إلى”مهام الأمن الداخلي” بأي دعوة كانت، هو مغامرة تنال من شرعية الدولة ومعها الاستقرار والأمن والسلم المدني وتأخذ البلاد نحو الانهيار.
هناك تجارب في بلدان عربية فرضها “الاحتلال”لتجعل الخط الفاصل بين الميليشيات والأجهزة الأمنية غير واضح لاندماج هذا بذاك، ولقد ساعد هذا التطور على تصاعد عملية تسييس الأجهزة المذكورة. وبناءً عليه لا يمكن اعتمادها لدينا ولا حتى التفكير فيها.
أين دور الأحزاب في التنشئة والتثقيف؟
ركّزت أغلب أدبيات العلوم السياسية على الدور الذي يمكن أن تلعبه الأحزاب في بناء ديمقراطية مستقرّة، وأنّ استقرار أيّ نظام في طور التحديث أو الانتقال الديمقراطي يتوقف على قوّة أحزابه. واعتقادي أن دور الأحزاب لدينا كان مخيّبا للآمال ومن أبرز نقاط ضعفه الخطاب السياسي المتشنّج والعنيف والمتدنّي أحيانا.
الأحزاب السياسية هي الركيزة الأساسية للمجتمع المدني، ولا يمكن لعلاقاتها أن تكون بأية صور من الصور، بمعزل عن تطلعاته وعن أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها.
لقد كان من المفروض أن نستمع إلى دعوات لتعزيز دور الشباب في إطار النظام السياسي والحلول الجاري درسها، فانعدام الثقة في الأحزاب أصبح القاسم المشترك لدى المواطنين وخاصة لدى فئة الشباب.
هناك أيضا شعور لدى الفئات المهمّشة بالابتعاد عن دائرة الاهتمام بالرغم من حالة الضياع التي يعيشونها. لقد دفع الاغتراب ببعضهم إلى العزلة، كما دفع بالبعض الأخر للتمرّد ومناهضة المجتمع والتعويض بطريقته الخاصة. ولعلّ سن بعض الموقوفين في الأحداث الأخيرة خير دليل على ذلك.
هل تعي الحكومة من جانبها أن لها واجب المسك بزمام الأمور؟ فالشعب يعيش حالة إشباع من الالتواء والمراوغة.
شارك رأيك