لا يختلف إثنان في تونس أن بنزرت وجربة منطقتان تابعتان للدولة تستحق كل منهما الاهتمام والرعاية والاعتبار من التنمية والتشغيل، وإن كانت بنزرت في الشمال التونسي وجربة في الجنوب التونسي فلن يمنع ذلك من التساوي في التنمية بين المنطقتين ولا يمكن أن يُفضل الواحدة على الأخرى لأن ذلك يخلق مشاكل كبيرة في المجتمع التونسي، ويتسبب في شرخ كبير في توجّهات الشعب الذي يرى الحكومة التونسية تميل نحو الشمال أكثر من الجنوب عندما تقرّ مشاريع تستفيد منها المناطق التي تحتاج إلى مشاريع كبرى يمكن أن تسهم في تحريك اقتصاد هذه المنطقة أو تلك اقتصاديا.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
لسنا هنا بصدد الحديث عن هذا الشرخ أو محاولة تأليب الرأي العام ولكن من باب إحقاق الحق ولفت انتباه المسؤولين في الدولة إلى أن التنمية في البلاد التونسية لا توجب التفاضل بين المناطق إنما يُنظر إليها حسب الحاجة والاستفادة والجدوى الاقتصادية الكبرى.
الاحتجاجات تجتاح الولايات المهمشة
ولا شك أن بنزرت وجربة منطقتان سياحيتان جميلتان الأولى في أقصى الشمال والثانية في الجنوب الشرقي، رغم أن الأولى ولاية والثانية تستحق أن تكون ولاية ومازالت تنتظر أن تصبح يوما ولاية رغم أنها تملك كل مقومات الولاية من حيث عدد السكان والمساحة والخصوصيات السياحية والاقتصادية الكبرى التي تتميز بها جزيرة جربة.
وقد عانت جميع الولايات غير الساحلية من عدم اهتمامٍ من قبل الدولة التي ركزت جل تفكيرها على الولايات الساحلية في الشمال والوسط التي تجلب لها السياح فأحاطتها بالطرقات المعبدة وبالمباني الحكومية اللازمة وجميع مستلزمات المدينة السياحية بينما لم تهتم الحكومات المتعاقبة منذ عهد بورقيبة إلى اليوم بالولايات الأخرى وتركتها تسابق الزمن من أجل توفير الأدنى من الحاجيات اليومية، لذلك واجهت الحكومات خاصة بعد الثورة التي أطاحت ببن علي في 2011 مظاهرات شعبية في جميع الولايات المهمشة تقريبا كلها تنادي بالكرامة إلى جانب الحرية، وكلها تريد التنمية والتشغيل بالتساوي مع الولايات الأخرى، وكلها تريد من هذه الحكومات أن ترى تونس بعينين لا بعين واحدة حتى تكون الرؤية واضحة.
لماذا بنزرت فقط وليس جربة أيضا ؟
وفرحنا جميعا كتونسيين عندما وافقت الحكومة التونسية على بناء جسر ببنزرت وهي المنطقة السياحية الجميلة وسيسهم ذلك في تنمية الولاية وسيزينها كولاية تتميز بموقع جغرافي جميل، وستثمر اقتصاديا، لكن لماذا بنزرت فقط وليس جربة أيضا رغم أن جربة هي الأخرى مدينة تونسية جميلة وإن كانت بنزرت أكبر مساحة لكنها لا تتمتع بالمواصفات نفسها من حيث الاهتمام والرعاية من الدولة والمسؤولين، وخاصة في إنشاء جسر يربط بين الجزيرة والتراب التونسي، ورغم أن الدولة كانت جادة في هذا الموضوع في عهد حكومة يوسف الشاهد ووقعت على الدراسة الأولية لمشروع قنطرة آجيم الجرف إلا أن السياسة بعثرت الأوراق كما في كل مرة، ويبقى الشعب التونسي يعيش الآمال والأوهام، عندما يقترب في كل مرة من تحقيق الحلم تأتي السياسة لتعكر الأجواء، وتشحنها بالفشل السياسي ومن ثم الفشل الاقتصادي والاجتماعي، ولا ندري متى ستُحل هذه المشكلة في تونس.
جسر آجيم الجرف بجزيرة جربة وإن كان أولوية اقتصادية كبرى للمنطقة إلا أن المسؤولين مازالوا يناورون ويبحثون عن خيوط العنكبوت ليبرروا فشلهم في إنقاذ الشعب التونسي من الحالة الاجتماعية المتفاقمة التي تزداد سوء يوما بعد يوم في ظل الانقسامات الحزبية والحسابات الضيقة والخلافات الصادمة التي تؤخر أكثر مما تقدم، وبالتالي لا عجب أن ترى انتفاضة هنا أو هناك ولا غرو أن ترى مطالبات من هنا وهناك لأنه يبدو أنه ليس هناك استراتيجيات واقعية على كل المستويات، وتبقى جربة في غياهب أدراج السياسيين كلما طالبت بحقها تم دفنه للأبد، وكأنها ليست من مناطق تونس البلاد أو أنها قطعة خارج إطار الدولة التونسية، فدعوة صريحة للمسؤولين أن ينظروا بجدية لكل المواضيع التي تهم الشعب التونسي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وجربة مثال على عدم الاهتمام والتهميش لكن الحق لا يموت بالتقادم.
شارك رأيك