إن النقاش حول إعادة التفكر في خطاب اليسار و مناهج تفكيره و عمله و حتى خلفياته يجب النظر إليها من زاوية المصلحة الشعبية و المهام المطروح إنجازها، لا بهدف ضمان إعجاب هذه الفئة او تلك من شرائح النخبة التي تود تسويقا مختلفا و أكثر جاذبية، فالشعب سيسير وراء من يعبر عنه بوضوح و يصمد في كل المعارك بدون أن يتخاذل أو يساوم.
بقلم محمد بوزيد *
ينقسم اليسار التونسي الذي تقوم خلفياته على أسس الصراع الطبقي في الوقت الحالي في خطوطه العامة الي اتجاهين، يسار وظيفي، للزينة، يشارك مرة كل خمس سنوات في الانتخابات و يتم استدعاؤه من حين الي حين لبلاتوهات التلفزة، لا يقود المعارك و لا يشق طريقا ثالثا و يتذيل دائما خلف اليمين بمناسبة معركة حول المساواة أو أخرى تخص اللائكية يفتعلها اليمين الليبرالي لضمان اصطفاف هؤلاء وراءه. و اليسار الثاني مجالسي و برجوازي صغير مواقفه السياسية الي حد الآن سليمة عموما، حاول شكري بلعيد تثويره و جره الي قلب المعركة لكن تم اغتياله قبل أن ينجح و على ورثته الحقيقيين، بعد أن يستفيقوا من بهتتهم، إن استفاقوا، أن يواصلوا العمل فيما بدأه الشهيد و على ضوء تجربة البلاد الاخيرة، أي تنظيم المهمشين و البروليتاريا الرثة و الفلاحين الفقراء و تجذير خطهم الدومياسي.
نقد اليسار بكل مسؤولية و بدون عواطف
إن هؤلاء، أي المهمشين و البروليتاريا الرثة و الفلاحين الفقراء و عمال القطاع الخاص، هم من تغيب تمثيلتهم فاتحاد الشغل هو، من حيث تركيبته و تاريخه، ممثل للموظفين و القطاع العمومي لا غير.
إن الطرح الوطني الديمقراطي يسمح بهامش كبير يتسع للبرجوازية الصغرى و المتوسطة (و حتى تلك الكبيرة، إن وجدت، على شرط انخراطها في المشروع الوطني وهو ما يضفي عليها الصفة الوطنية) وهذا الهامش يكفيها و لا يتوجب تنازلات أخرى لها من قبيل ريادتها للمعركة أو تغاض عن ارتباطات خارجية باسم المصلحة أو تنازلات لليمين الديني أو أزلام الاستبداد.
إن نقد هذا اليسار، بكل مسؤولية و بدون عواطف، سيمثل المقدمة الضرورية التي من شأنها تجذير خطه السياسي و فرز قيادة ثورية حقيقية تضطلع بإنجاز المهام التي بقيت معلقة الي حد الآن أي خلق قطب ثالث مستقل يعمل ويستقطب لذاته و يتحرر أيضا من السقف و الغطاء السياسي لاتحاد الشغل الذي مثل و لا يزال إحدى قاطرات الدولة و جزءا من القاعدة الاجتماعية للتحالف الطبقي الحاكم بشكل عام، من موقع خلفي، رغم قيامه بأدوار مهمة في لحظات مختلفة من تاريخ الصراع السياسي في البلاد حين دخل في صراع مع بورقيبة من أجل استقلاليته أواخر السبعينات و خلال الثمانينات بسبب تنامي وجود اليسار الجديد داخله.
مشروع الحزب اليساري الكبير
إن توحيد اليسار، أو مشروع الحزب اليساري الكبير، يجب النظر اليه من هذه الزاوية، زاوية ثورية مضامينه و تنظيمه للمهمشين و الفقراء و جذرية ممارسته و انخراطه في الدفاع عن القضايا القومية، و ليس على أساس تجميع و توحيد المكونات الحالية له، وهي المكونات و القيادات التي لم تفوّت أية فرصة لإعلان خوفها و ترددها و تخليها عن تنظيم التحركات الشعبية و بقيت عليه.
الأقرب الي الواقع و الي المنطق أن يتم هذا التوحيد على قاعدة الممارسة و الانخراط الفعلي في المعارك. سيتعرف المناضلون الحقيقيون على بعضهم البعض في الخنادق و المسيرات و التحركات و الملتقيات و سيقربهم التحليل المتطابق و الموقف المشترك من الملفات المطروحة رغما عن المسارات الفكرية و الشخصية و التاريخ المختلف لكل منهم. و ستكون الخبرة التي اكتسبناها من تاريخنا السياسي و مصلحة الطبقات الشعبية بوصلتنا في ذلك.
من هذه الزاوية، أعتقد، يجب فهم و تقييم سواء تجربة الجبهة الشعبية أو المقترحات و الأفكار و “المبادرات” التي تطرح اليوم من هنا و هناك كلما طرحت للنقاش مسألة وضع اليسار و حالته الضعيفة.
انتهازية و تخلف الخطاب و الممارسة لعديد الأحزاب
إن النقاش حول إعادة التفكر في خطاب اليسار و مناهج تفكيره و عمله و حتى خلفياته يجب النظر إليها من زاوية المصلحة الشعبية و المهام المطروح إنجازها، لا بهدف ضمان إعجاب هذه الفئة او تلك من شرائح النخبة التي تود تسويقا مختلفا و أكثر جاذبية، فالشعب سيسير وراء من يعبر عنه بوضوح و يصمد في كل المعارك بدون أن يتخاذل أو يساوم. ونحن نشاهد كل يوم كيف تستطيع انتهازية و تخلف الخطاب و الممارسة لعديد الأحزاب استقطاب أعدادا مهمة من الناس بدون أن يكون خطابهم جميلا أو عميقا و بدون أن تكون ممارستهم مبدئية.
لماذا نبحث عن تغيير للخطاب رغم ان واقعنا لم يتغير؟ لقد نجح اليمين، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، في أن يقنعنا بأن هناك خلل ما فينا رغم تواصل الاستغلال. هذا التردد و التشكيك مرفوضان.
طالما هناك ديكتاتورية لرأس المال و اضطهاد طبقي و تبعية للامبريالية سيتواصل النضال من أجل السيادة الوطنية.
* ناشط سياسي و حقوقي مقيم بجينيف.
شارك رأيك