تميزت الذكرى العاشرة للثورة التونسية لا فقط بتناسي السلط الرسمية لها وإغفال كل احتفاء بها، بل وبالخصوص ببروز لافت للنظر لعدة ظواهر وتعقيدات، من أهمها:
– التحوير الوزاري المعروض على مصادقة مجلس نواب الشعب وما يثيره من جدل وتجاذبات،
– وخصوصا التحركات الليلية وما أدت إليه من مواجهات مع قوات الأمن، امتزجت فيها احتجاجات الشباب المشروعة على عدم الاستجابة للمطالب التي قامت من أجلها الثورة ضد النظام السابق، بعمليات عنف مرفوضة من نهب وسرقة واعتداءات على الأملاك العامة والخاصة جابهتها قوات الأمن أحيانا بعنف مفرط وايقافات بالجملة.
وقد أدت التوظيفات السياسوية للأحداث الأخيرة إلى تصاعد خطير للمناكفات والمزايدات وتسجيل النقاط بين مختلف القوى السياسية، وحتى مؤسسات الدولة، وتبادل الاتهامات بينها حول أسباب هذه الأحداث ومسؤولية كل طرف في ظهورها وعودتها الموسمية: فهذا الطرف يدينها جملة وتفصيلا و”ينادي أنصاره للتصدي لها على الميدان” وذاك يباركها دون تمييز ويعتبر أنها “تبشر بثورة جديدة ستطيح بكامل النظام السياسي القائم” بكل مؤسساته، دون الاهتمام بالبديل…
وكل هذه الخصومات والمناورات تدور في أوضاع صحية كارثية حيث عجزت السلط عن التحكم في الجائحة ولم تجد قراراتها الصدى الكافي لدى المواطنين فأصبحوا-خصوصا بالنسبة للفئات الفقيرة والشباب-يعيشون بين شبح الموت وخطر الجوع والعطالة.
لقد منعت هذه الطرق الخاطئة في المقاربة والتعاطي غير السليم مع شؤون الوطن من أن يكون إحياء ذكرى الثورة فرصة للتقييم الجدي والرصين لحصيلة العشر سنوات من مسيرة الانتقال الديمقراطي المعقّد الذي تعيشه بلادنا، بإنجازاته وإخفاقاته وتعثراته وصعوباته…واستخلاص الدروس لاستشراف الاستحقاقات القادمة.
واليوم، فإننا نشهد تصاعدا مستمرا في درجة الاحتقان أصبحت تهدد بالانفجار وبالذهاب بالبلاد نحو المجهول.
وأمام تنامي الشعور باليأس والحيرة لدى جميع فئات الشعب وبصفة خاصة لدى الشباب، عماد مستقبل تونس، فإننا، كمجموعة من المثقفين والنشطاء السياسيين من الذين سبق لهم أن وجّهوا “نداء ال 150 من أجل حوار وطني لإنقاذ بلادنا من خطر الفوضى والانهيار”، نرى من واجبنا ألاّ نقف مكتوفي الأيدي. وشعورا منّا بمسؤوليتنا كمواطنين يسكنهم حب عميق للوطن، فإننا:
أولا: نتوجه الى جميع المواطنات والمواطنين وكافة القوى والأحزاب الوطنية باختلاف توجهاتها وإلى شباب تونس ونهيب بهم أن يغلّبوا المصلحة الوطنية بإعلاء صوت الحكمة والتعقل في معالجة مشاكل بلادنا وتفادي كل ما من شأنه أن يدمّر قدراتها ويرتهن مستقبلها ويقضي على إمكانيات إصلاح الأوضاع الفاسدة.
ثانيا: نعتقد أن الأحداث الجارية تبين بكل جلاء أنّ الحوار الوطني، الذي طرحه رسميا الاتحاد العام التونسي للشغل وساندته عديد المنظمات الاجتماعية والسياسة وخصوصا منها مجموعة نداء ال 150، يمثّل المخرج الوحيد من المأزق الذي وصلت إليه بلادنا.
إنّ الحوار الوطني الشامل أصبح يشكّل، في اللحظة الراهنة، ضرورة وطنية لتلافي خطر التدهور والانزلاق نحو الانهيار ومدخلا عقلانيا لمجابهة الأولويات الوطنية عبر رسم خارطة طريق جدّية قادرة على إخراج البلاد من النفق واستكمال مسارها الانتقالي، خارطة تحظى بتوافق القوى السياسية والاجتماعية والفكرية حول عقد لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الخانقة التي تمرّ بها وتلبية المطالب العاجلة والمشروعة التي أبرزتها الاحتجاجات الشبابية عوض الاكتفاء بالحلول الأمنية.
ثالثا: ندعو الاتحاد العام التونسي للشغل الى التمسك بمبادرته الوطنية والمسؤولة، خصوصا بعد أن حظيت بموافقة رئيس الجمهورية وجل الأطراف السياسية وأعطتها الأحداث الأخيرة صبغة استعجالية.
رابعا: نتوجه بنداء ملحّ إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ القرار الذي تمليه المصلحة العليا للوطن والذي تتطلبه أوضاع البلاد والمبادرة، قبل فوات الأوان، وذلك بدعوة الأطراف المعنية إلى حوار وطني عاجل وجدّي للتوافق حول الحلول الكفيلة بإخراج بلادنا من الأزمة والالتزام بتطبيقها، بعيدا عن الحسابات السياسية والحزبية الضيقة.
خامسا: نجدّد استعدادنا الكامل لبذل كل المجهودات لمعاضدة هذا الحوار والمساهمة في إنجاحه، من أجل تونس ومستقبل تونس وشباب تونس.
تونس في 25 جانفي 2021
عن مجموعة نداء ال150
هشام سكيك- بلقيس المشري العلاقي- سليم بن عرفة
شارك رأيك