رغم كشف وزارة الصحة التونسّية منذ الأسبوع الفارط على الاستراتيجية الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا وإعلانها على الانطلاق الفوري في عملية تسجيل الراغبين في التطعيم عبر المنصة الرقمية (ايفاكس) إلا أن عديد الشكوك لا تزال تحوم حول هذا الموضوع سواء من ناحية تواريخ الحصول على التلاقيح أو الاستعداد الميداني واللوجستي لتنفيذ حملة تطعيم واسعة المدى.
بقلم طه عبد القادر العلوش *
الوضع ليس تحت السيطرة
لنستعرض سويا الوضع الوبائي في تونس بعد ما يقارب ال10 أشهر على ظهور أول حالة مصابة بالكوفيد19 و تحديدا يوم 2 مارس 2020 حيث تبرز الأرقام الرسمية لوزارة الصحة القيام ب820.000 تحليل لتقصي الفيروس منذ هذا التاريخ أسفرت على اكتشاف 200.000 حالة حاملة للفيروس أي بمعدل إيجابية التحاليل يناهز 25% وهو معدل مرتفع على اعتبار أن البلاد التونسية تعتمد استراتيجية تحليل موجهة للحاملين لأعراض المرض فقط وهو ما جعلها تحتل مرتبة متأخرة بين الدول (139 من 221) من حيث عدد التحاليل لكل مليون ساكن أي اننا نقوم بتحليل فقط 70.000 شخص على كل مليون مواطن.إن هاته المعطيات تدل على أن العدد الحقيقي للإصابات و التي لا تعاني من أعراض أو التي ظهرت عليها أعراض خفيفة سيكون لا محالة أرفع بكثير من المعلن عنه.
من ناحية أخرى بلغت أعداد المتوفين إلى حدود اليوم 6.300 (رحمهم الله) وهو ما يمثل كمعدل وفاة بنسبة لكل مليون ساكن ما يقارب 530 شخص لكل مليون مواطن تونسي وهو معدل مرتفع نسبيا يجعل من تونس تحتل المرتبة ال 50 عالميا من حيث الوفيات باعتبار التعداد السكاني والمرتبة ال 2 أفريقيا بعد جنوب افريقيا.
إن استمرار هذا النسق اليومي للوفيات من جراء فيروس الكورونا في بلادنا والمقدر بمعدل 60 وفاة يومية منذ بداية الجائحة سيجعلنا نتجاوز بصفة شبه مؤكدة عتبة ال10.000 ضحية في موفى مارس 2021 المقبل. وهو ما يمثل قرابة 12% من مجمل الوفيات السنوية في تونس ليرتفع بذلك المعدل السنوي الإجمالي للوفاة من6.230 لكل مليون مواطن الى حوالي 7.100 لكل مليون ساكن. هذا المعدل الجديد يقارب المعدل المسجل في البلاد التونسية سنة 1986 حيث كان أمل الحياة عند الولادة حينها في مستوى 67 سنة. وباعتبار أن أمل الحياة عند الولادة للسنة 2019 كان مقدرا في حدود 77 سنة فإن تونس تكون قد خسرت ضمنيا وحسابيا 10 سنوات من معدل أمل الحياة بعد ما يقرب الحول في مواجهة الكوفيد 19.
تفيد كل هذه الأرقام بأن الوضع الوبائي لم يعد تحت السيطرة وأن ارتفاع الضغط على أسرة الإنعاش حيث بلغت نسبة الأشغال مستوى 85% قد ينبئ بانهيار المنظومة الصحية في أجل قريب إذا لم نتمكن من كسر حلقات العدوى والتقليص من الحالات الخطرة وهو ما من شأنه تحسين التكفل بالمرضى والتقليص في الخسائر البشرية.
التلقيح مفتاح الخروج من الأزمة
في ظل تعنت الحكومة وانقسام اللجنة العلمية لمكافحة جائحة الكورونا على اعتماد الحجر الصحي الشامل و لول بضعة أسابيع حتى نكبح هذا الانتشار المفزع للفيروس وفي الان نفسه نسمح للعاملين في القطاع الصحي من استرداد الأنفاس باعتبار عملهم بوتيرة مرتفعة و حصص استمرار متواصلة منذ ما يقارب السنة.
لم يبقى لنا سوى التعويل على التلقيح كحل جذري لهذا الوباء و قد جاءت الاستراتيجية الوطنية للتلقيح ضد كوفيد 19 طموحة بناءً على الفرضيات المعتمدة و المتمثلة في استغلال 267 مركز تلقيح أي بحساب مركز في كل معتمدية بالإضافة الى 3 مراكز جهوية يحتوي كل منها علي 6 خلوات مخصصة للغرض تمكن هذه الأخيرة من تطعيم 10 أفراد في الساعة لكل خلوة. وإذا ما اعتبرنا أن نسق العمل سيكون بمعدل 47 ساعة أسبوعيا لكل مركز تلقيح فإننا سنتمكن حسابيا من تلقيح 753.000 ساكن أسبوعيا أي بنسبة 12% شهريا من التعداد الديموغرافي للشعب التونسي.
وهو ما يعتبر معدل مرتفع حتى بالمقارنة ببعض الدول المتقدمة كألمانيا التي بلغ معدل التطعيم فيها 450.000 ساكنا في الأسبوع أيضا فرنسا بمعدل مشابه 500.000 ساكنا أسبوعيا مما يجعل هذه الاستراتيجية متفائلة إن لم نقل صعبة التحقيق على أرض الواقع نظرا لضعف التنظيم اللوجستي والهيكلي الذي يميز بلادنا وخاصةً عدم التأكد من الحصول على شحنات التلاقيح في مواعيدها ووفق نسق تزود مناسب. علما وان الطلب المتزايد على التلقيح عالميا قد أفرز حتى في بلدان الاتحاد الأوروبي تأجيلا متكررا لشحن وتوصيل الكميات المتفق عليها سلفا.
* طبيب ونشاط سياسي.
شارك رأيك