قدّم التاريخ الحديث وتحديدا خلال العقد الماضي عديد الأمثلة على العلاقة التبادلية بين المنظمات الإرهابية ووسائل الإعلام. وأشارت بعض العمليات البارزة تاريخيا في العالم ولدينا أيضا مدى استغلال مهندسي الإرهاب لقطاع الإعلام بمفهومه الواسع لصالحهم لكسب العقول والقلوب ومن ذلك تجنيد المقاتلين وجمع الأموال وتفعيل برامج الدعاية. أعود لهذا الموضوع اليوم تحية لروح أبنائنا الذين استشهدوا أخيرا خلال عملية تمشيط في جبل المغيلة، وأطرح بالمناسبة السؤال القديم الجديد: كيف نتحدّث عن الإرهاب في الحقل الإعلامي دون الانزلاق نحو الترويج له؟
بقلم محسن بن عيسى *
الأجندة الخفية للإرهابيين
نحن نعلم أنّ دور الاعلام كان ولا يزال هو تقديم العون الذي يستطيعه في مقاومة الإرهاب ومواجهته. وندرك أيضا أنّ الإشكال على هذا المستوى لا يكمن في سبب تغطية الإعلام للإرهاب بل يكمن في كيفية التغطية.
وبصرف النظر عن طبيعة العمليات فالإرهابيون يهتمون في المقام الأول بالجمهور، وليس الضحايا وكيفية تفاعله في نظرهم لا تقل أهمية عن الفعل نفسه. وعليه فان جذب انتباه وسائل الاعلام والرأي العام الوطني والدولي وصنّاع القرار في الدولة هو أحد الأهداف الأساسية لهم.
ورغم عدم منطقية العمليات ومحدودية ضررها أو توسّع دائرة دمارها فأهداف هؤلاءالظلاميين هي نفسها : شد انتباه الرأي العام، السعي للاعتراف بهم، وربما رفع درجة احترام شرعيتهم لدى مختلف الفئات المتعاونة والمتعاطفة معهم.
ومن السذاجة الاعتقاد أنّهم ينفذون عملياتهم دون عقلانية أو استراتيجية بل بالعكس فتحليل الوقائع أثبتت أنّهم على وعي كامل بتأثير التغطية الإعلامية على كل شريحة تقريبا من المجتمع والمسؤولين الحكوميين وعلى جميع المستويات. ومن المسائل المركزية في تفكيرهم أنهم في مواجهة مفتوحة ونصف معركتهم تدور في ساحة الإعلام أي في معركة إعلامية تستهدف قلوب وعقول الأمة.
درس 11 سبتمبر 2001
إنّ ردّ فعل الاعلام مع أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة كان بعيدا عن الموضوعية والهدوء والحصافة حيث انزلق نحو إشاعة الكراهية والهستيريا والدعوة الى اتخاذ إجراءات ضد العرب والمسلمين بشكل أساسي. لقد غيرت هذه المقاربة بشكل كبير التصورات العامة والخطاب على المستوى الرسمي والطريقة التي ينظر بها الناس الى الأحداث والأشخاص وتحديدا الأقليات.
لقد تم استغلال أحداث 11 سبتمبر خارج الولايات المتحدة من قبل بعض الإعلاميين والسياسيين للترويج لأجندات وأيديولوجيات الخوف وهذا ما خطط له الارهابيون. لقد جعلت هذه الطريقة في التغطية الإعلامية الإرهابيين يعتقدون انهم انتصروا في اختراق الحياة اليومية لجمهور كبير من المتتبعين وحصولهم على اعتراف وشرعية في أعين المؤيدين والمجندين المحتملين من خلال سرد الخوف.
إعادة النظر في ردّ الفعل الاعلامي
هذه التجربة يمكن ان تستخلص منها الدروس بما يتناسب وواقعنا. هناك حاجة لتوحيد جهودنا ودعم مقومات المسؤولية تجاه المجتمع، فأبرز أهداف الإرهاب هو زعزعة ثقة المجتمع في قدرات قواته العسكرية والأمنية وبالتالي زعزعة قناعاته بمستوى الأمن الذي يحظى به. يجب أن تراعي التغطية دون تحيّز التوازن الحاصل بين النجاحات و حالات الفشل في معالجة الأوضاع ودون تكهّنات أو تهويل كما تعمل على بناء مصداقية القوات المسؤولة عن النظام العام بشكل عام.
أتفهم الحاجة لتغطية الأعمال الإرهابية وأنظر بحذر لمحاولات البحث عن الأحاسيس وتوسيع دائرة الحدث والبحث خاصة على من يقع اللوم وخلق متلازمات جديدة. هناك ضرورة للانتباه لما تخلفه نشر التسجيلات والتصريحات مرارا و تكرارا من صدمات داخل المجتمع خاصة إذا بالغنا في واقع التهديدات. لا يمكن أن تتحول سياسة الخوف السائدة في الثقافة الشعبية – عن قصد او غير قصد – إلى مُعطى في المادة الإخبارية عن طريق روايات “الإيذاء” التي تجعل من الجريمة والخطر والخوف لها صلة بمجرى الحياة اليومية.
إنّ حرب المعلومات هي جزء أساسي في مجابهة الإرهاب لذلك يتعمّد الارهابيون تضليل المواطنين واستغلال حالات الشك وعدم اليقين لصالحهم . فالمعلومة في مجال الإرهاب والأمن الوطني يجب أن ـتُقدّم بشكل واضح وواقعي ومتوازن إلى الحد الذي يمنع سوء تفسير الوقائع بشكل خاطئ وعلى عدة مستويات وتحول دون اتخاذ التدابير السليمة المضادة.
إنّ أخطر ما يمكن أن نسمعه ونشاهده هو إثارة الخوف والفزع وأن يتحوّل الاعلام إلى أداة بيد الإرهابيين.
* عقيد متقاعد من الحرس الوطني.
شارك رأيك