الكاتب يطلب من حكام تونس الجدد الذين يسميهم “الجانفيين” في إشارة إلى ثورة 14 جانفي 2011 أن يحافظوا على الدولة التي ورثوها و لا يعتبروها غنيمة و أن يكونوا رجال دولة و لا يكونوا سياسيين… أن لا يفكروا في الانتخابات القادمة بلي فكروا في الأجيال القادمة. ننشر في ما يلي نص التدوينة…
بقلم الصادق شعبان *
أيها الجانفيون … رجاء تركنا لكم وطنا و دولة… فأبقوا على هذا الوطن و إحموا هذه الدولة رجاء…
تركنا لكم نظاما و نواميس و أخلاقا… فأعيدوا هذا النظام رجاء… و أعيدوا نواميسه و كل ما يتطلب المجتمع من أخلاق…
تركنا لكم أمنا و إستقرارا… فحافظوا على هذا الأمن رجاء… فالحرية لا تكفي… أولى الحريات هي أمن الأفراد – قال فولتير…
ليست الحرية إذلال المسؤول و إهانة الشرطي و عنترية الإعلامي
تركنا لكم تونس تونسية… فحافظوا على تونسية تونس رجاء… استقلالا سياسيا و خصوصية حضارية… لا عثمانيين و لا خليجيين… الديمقراطية المستوردة تصبح تقسيما للبلاد، و الأرض الطيبة تصبح منصة للفساد و للأعمال المخربة… ليست الحرية إذلال المسؤول أبدا… و لا هي إهانة الشرطي… و لا عنترية الإعلامي… الكذب جريمة و شتم الناس جريمة و هتك الأعراض جريمة و تعطيل الانتاج جريمة…
أيها الجانفيون… تركنا لكم نموا ب 5 % على مدى 60 سنة… تركنا دينارا عزيزا و فائضا ماليا كبيرا و لم نترك ديونا تكبل الأجيال… و تركنا مع هذا تقارير دولية تشهد على ما حققناه لتونس من أرقام…
اتهمتم من سبقوكم فالفساد دون استثناء و شيطنتم رجال الدولة و رجال الإدارة و رجال الأعمال دون استثناء… عرفتم اليوم أن الفساد الكبير لم يكن في السابق، و من كانوا مؤتمنين على الدولة ليسوا شياطين… و اقتنع المواطن العادي، ذلك الذي يعيش من عمل يومه، ان الدولة الوطنية كانت بحق دولة و ان من أؤتمنوا عليها كانوا أنظف الناس…
رجاء إتركوا رجال الأعمال يعملون فهم محور الرخاء للجميع و الاستقرار المستدام و هم صانعو الأمل في المستقبل… حافظوا على أموال الدولة فهي ليست غنيمة… و قلصوا النفقات… و خففوا الإدارة من وزن لن تمشي به بعيدا…
أيها الجانفيون تركنا لكم جوازات سفر تفتح لكم أبواب العالم بالترحاب… فأعيدوا الاحترام للتونسيين أينما حلوا… رجاء حافظوا على أثمن ما أنتجنا من الكفاءات الشابة في كل التخصصات .. إذ هم قوة الاقتصاد و هم بناة الحضارة…
النقاش اليوم كيف ننقذ البلاد و كيف نخرج من العاصفة
اليوم وضعتم البلاد في أزمة خطيرة يجب أن تحلوها… أخرجتم البلاد عن السكة فأعيدوها إلى السكة… في كل دساتير العالم، عند كل أزمة، رئيس الدولة يكون الوحيد المسؤول على الوحدة الوطنية و استمرارية الدولة… النقاش اليوم لم يعد نقاش صلاحيات و تفاصيل و تفاسير، و إنما أصبح النقاش كيف ننقذ البلاد و كيف نخرج من العاصفة…
أزمة القسم ليست الوحيدة… و لن تكون الأخيرة… و هي ليست أزمة قسم و انما أزمة أعمق… لا تكتفوا بمعالجة الأعراض و عالجوا السبب الخفي…
سيدي الرئيس أنت الان بالدستور المسؤول الأول على كل ما يجري، و أنت المسؤول على وحدة البلاد و على استمرار الدولة… كل شيء أمامك معطل الان… أنت المنتخب مباشرة من الشعب و إليه يجب أن تعود… إجمع مجلس الأمن القومي، إستمع الى الجميع، لا إقصاء لأحد، و بادر باستفتاء الشعب و إعادة تنظيم البلاد على أساس جديد… كل يوم يمضي نخسر فيه عشرات المليارات، و يزداد فيه الفقر و ينتشر اليأس و يتعاظم الغضب و نقترب فيه من الخط الأحمر خط الوطن الواحد و المجتمع الهادئ,..
أيها الجانفيون رجاء … لا تتمسكوا بدستور معيب غفر الله لمن وضعه، و لا بنمط انتخاب أرهق عديد الدول قبلنا… بين أيديكم أمانة دولة و أمانة وحدة و أقسمتم على ذلك… ساعدوا الرئيس على تغيير الدستور و تغيير نظام الانتخاب… حتى تتوحد القيادة و تتضح الأغلبية و يعرف الشعب لمن يصوت و من سوف يقوده و بأية سياسات…
ما عندنا اليوم ليس ديمقراطية بل هو فوضائية
أيها الجانفيون ما عندنا اليوم ليس ديمقراطية… ما عندنا اليوم هو فوضائية… لا تقوم على الحرية بل تقوم على العصيان… و الهاجس فيها ليس اختيار الأفضل لسياسات أفضل… في هذا الوقت بالذات… كونوا رجال دولة لا تكونوا سياسيين… لا تفكروا في الانتخابات القادمة بل فكروا في الأجيال القادمة…
أيها الجانفيون كانت الدولة الوطنية تنفق نصف ميزانيتها على الأطفال… تعتني بصحتهم و تحرص على تعليمهم لأن الأطفال هم الأساس، هم تونس القادمة… مثلما تصنعهم تصنع تونس… فرجاء… كلما تخاصمتم في البرلمان، أو في المنصات التلفزية، أو في أماكن أخرى، ضعوا صورة أبنائنكم أمام أعينكم… أنظروا إليهم وهم يمرحون ببراءة… يدخلون المدارس دون معرفة المصير… يتجمعون في ساحات الكليات دون معرفة المصير… فكروا فيما تقدمون لهم من صور و أحلام… لنا وطن واحد… و لنا مستقبل واحد… رجاء… ترفعوا و ارتفعوا… فكلما ترفعتم و أرتفعتم عاليا ترون المشهد أفضل و يكون القرار أسلم… رجاء… انظروا بمنظار التاريخ لما أنتم فاعلون لتونس… و لما سوف يكتب عنكم الزمن فيما بعد …
* جامعي ووزير سابق للعدل و قيادي حالي في حزب مشروع تونس.
شارك رأيك