الشيخ راشد الغنوشي يعترف صراحة بأن دستور 2014 لا يستطيع أن يحكم تونس وفشل في إرساء نظام ديمقراطي جديد وطالب بإرساء نظام حكم جديد يقوم على البرلمان كجهة تتفرد بالحكم و يهمش دور رئيس الجمهورية. وهو مقترح يخدم حزب النهضة و يندرج ضمن صراعها مع الرئيس قيس سعيد.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
في إطار الصراع السياسي المحتدم بين رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد والبرلمان التونسي بعد أن منح مجلس النواب الثقة للتحوير الوزاري الذي أعلن عنه رئيس الحكومة السيد هشام مشيشي ووافق عليها النواب ليس حُبا في التحوير الوزاري وإنما حُبا في المقعد النيابي لأن النواب لو لم يصوتوا لربما اضطر رئيس الجمهورية إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، ولكن صكّ الموافقة إنما كان على مضض وحتى لا تفقد الأحزاب مكانتها السياسية وشعبيتها المنحدرة والمتدنّية.
حكومة جديدة لن تقدم ولن تؤخر شيئا
وحتى يبقى النائب في كرسيّه صوّتت الأغلبية على الموافقة على التعديل رغم علمها بأن هذه الحكومة الجديدة لن تستطيع أن تخترق الكساد الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي ولن تقدم حلولا جذرية للشعب التونسي الذي مازال يعاني الأمرّين منذ 2011 بل منذ الاستقلال عام 1956 فقد عانى التهميش في عهدي بورقيبة وبن علي وها هو اليوم مازال يعاني ويلات السياسيين المتصارعين كأنهم في حلبة مصارعة والغلبة للأقوى.
وفي ظل الصراع المعروف والاعتراض الرئاسي على بعض الأسماء تبقى الحكومة معلّقة إلى حين استدعاء الوزراء الجدد الذين عيّنهم مشيشي لأداء يمين القسم، ولن تستطيع الحكومة أن تقدم الخدمات المعهودة المتوقفة أصلا حتى قبل التحوير فما بالك بعد التحوير، فلن يقدم ذلك ولن يؤخر شيئا حتى إن وافق رئيس الجمهورية على أدائهم القسم.
ولكن ماذا لو استمر هذا الاعتراض الرئاسي؟ ماذا سيفعل المشيشي حينئذ؟ هل سيعتبر القسم أمرا شكليا لا معنى له ويمارس الوزراء الذين منحهم البرلمان الموافقة المصلحية العملَ رغم شبهات الفساد التي تلاحق بعضهم أم أنهم سيستقيلون لأنهم مرفوضون من مؤسسة الرئاسة.
راشد الغنوشي يدعو إلى نظام برلماني صرف يخدم مصالحه أكثر
هذا الأمر دفع الشيخ راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب ورئيس حركة النهضة إلى الاعتراف صراحة بأن الدستور الحالي الذي عُدّل سنة 2014 لا يستطيع أن يحكم تونس وفشل في إرساء نظام ديمقراطي جديد بعد الانتفاضة الشعبية على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لأنه نظام لا برلماني بالكامل ولا رئاسي بالكامل فهو كما يعبّر عنه باللهجة التونسية “شكشوكة” خليط من البرلماني والرئاسي أثبت أنه غير قادر على قيادة دفة البلاد نحو بر الأمان، وطالب الشيخ بإرساء نظام حكم جديد يقوم على البرلمان كجهة تتفرد بالحكم حسب أغلبية الكتل البرلمانية بينما يبقى الرئيس مَقعدا شرفيا وإشرافيا لا غير ولا علاقة له بالسلطة التنفيذية من قريب أو من بعيد يطلّ من الشرفة على البرلمان كيف يتصارع النواب ويتسابون ويشتم بعضهم بعضا ثم يبحثون في قضايا بعيدة كل البعد عن الشعب يرسمون صور الزعماء السياسيين كلٌّ على طاولته وكأنه مناضل من جيل الستينات ويقدم كل منهم لوائح لتجريم الآخر، دون أدنى رحمةٍ بشعب يئنّ من وطأة الجوع والخوف ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات في ظل جائحة خطيرة لم يعرف العالم لها مثيلا.
النظام الرئاسي هو الأفضل لبلاد مثل تونس
لكن هذا النظام البرلماني الذي دعا إليه الشيخ راشد الغنوشي لا يمكن أن يستقيم في الوقت الحالي لأن البرلمان التونسي أُسّس على جُرفٍ هارٍ فانهار بنا في متاهات الوهم وفقدان الثقة واللعب بمصالح الناس، فمنذ انتخاب هذا المجلس الجديد وحتى الذي قبله لم ينعم المواطنون بقرارات مهمة يمكن أن تخدم أطياف الشعب وتقلل من مشاكلهم المتراكمة يوما بعد يوم لذلك لا يمكن أن يقبل الشعب التونسي بالنظام البرلماني بالكامل لأنه حتماً سيفشل كما فشل النظام الذي قبله لأن الأحزاب الموجودة على الساحة في تونس ليست أحزابا وطنية بل هي أحزاب نشأت إما على أساس ديني أو عاطفي أو فكري أو لمواجهة اعتقاد أو توجّه ولذلك هي تعيش اليوم صراعات متواصلة لا ترقى لمستوى خدمة المواطن ولا يمكن أن تقود هذه الأحزاب شعبًا آمن بالثورة والتغيير لا بالصراع والسباب، وآمن بالتحرير لا بالتهكم وتضييع الأوقات.
وبالتالي فإن النظام السياسي الذي يمكن أن ينقذ تونس من مشاكلها اليوم هو النظام الرئاسي وهو مطلب شعبي واجتماعي واقتصادي تفرضه الوقائع على الأرض، فهل يمكن أن ينشأ في تونس اليوم مجلس للشعب منتخبٌ ديمقراطيًّا لا عاطفيًّا ولا جهويًّا ولا نفوذيًّا ومنه ينبثق الحكم بنظام رئاسي جديد؟ يكون دوره رقابيًّا فلا يوافق على رئيس فاسد، وإن ظهر فساده بعد تعيينه يبدأ البرلمان إجراءات عزله ويظل مجلس الشعب الجهة الرقابية والتشريعية الضامنة للشرعية.
شارك رأيك