سيدي الرئيس قيس سعيد ألست رئيس دولة مدنيّة؟ فلم جاءت رسالتك إلى رئيس الحكومة هشام مشيشي بهذا الشكل والمضمون المرتمييْن في زمن غير هذا الزمن وفي مقام غير هذا المقام؟ لم كلّ هذه المغالاة في إظهار الوجه الديني وإبرازه وتفخيمه، هل لأنّك تواجه خصما يتكلّم هو أيضا باسم الدين ويحاول احتكاره، فما الفرق بينك وبينه سيدي الرئيس ؟
بقلم آمنة الرميلي *
سيّدي الرئيس، في زمن المايل والميسنجر والانترنت والموبايل وخطوط الهاتف والتلفزة والإذاعات والسيارة والاتصال المباشر نجدك تحبّر رسالة بخطّ لا دلالة له إلاّ القِدم والعودة إلى الماضي والتشبّث بذكرى أقلام القصب ودواة الحبر المائي أو النباتي. رسالة لا يشبه خطّها خطوط التونسيين حين يكتبون رسائلهم باليد، ولا تشبه خطوط التلاميذ والطلبة اليوم في تونس. رسالة سيجدها شعبك بالضرورة غريبة عنه ومفصولة عن ذائقته وذاكرته البصرية البسيطة.
سيّدي الرئيس، ألست رئيس دولة مدنيّة كما ينصّ عليه الفصل الثاني من دستورنا؟ ألست منتخبا لتحمي مدنيّة الدولة التونسية وتحميها بما أوتيت من صلاحيات ومسؤولية؟ فلم لا نجد هذا في رسالتك، بل تصرّ على أن تظهر بمظهر الحاكم المتديّن في كلّ موطن تقريبا في هذه الرسالة:
ـ تؤرّخ لرسالتك عل غير النّظام الذي تؤرَّخ به وثائق الدولة التونسية، فتبدأ بالتاريخ الهجري قبل التاريخ الميلادي في حين أننا لا نتعامل في وثائقنا ومناسباتنا ورسائلنا إلا بالتاريخ الميلادي، به نولد ونلد وندرّس ونرتقي ونموت كما تعرف، فما الغاية من إصرارك على تصدير وثائقك بالتاريخ الهجري الذي لا يعرفه شعبك غير بعضه أو قليل منه؟!
ـ اخترت لرسالتك شكل “الرسائل النبويّة” إلى الخصوم الدينيين حين تمت دعوتهم إلى الإسلام، فقد كان الرسول (ص) يفتتح رسائله بهذا الشكل: “من محمّد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط”، “من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس” وفي التقديم والتأخير بين المرسِل والمرسَل إليه رمزيّة قوّة وهيمنة وسيادة للأوّل على حساب الثاني، فهل هذا هو قصدك سيدي الرئيس وأنت تخاطب رئيس حكومة الدولة التي أنت رئيسها؟ وما هي الرسالة التي تصل إلى الشعب؟ أليس ثمّة بروتوكول متّفق عليه به تكتب الرسائل الرسمية في جميع دول العالم اليوم؟ فما نوع هذه الرسالة الرسمية المنشورة على صفحة الرئاسة؟ تُفتتح رسالتك هذه بما يسمّيه الإسلاميون في خطابهم الاحتكاري المعروف بـ”تحيّة الإسلام” وأكّدتها أنت في رسالتك بشيء من الإطناب لتصبح: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحمدا وصلاة وسلاما”، لم كلّ هذه المغالاة في إظهار الوجه الديني وإبرازه وتفخيمه، هل لأنّك تواجه خصما يتكلّم هو أيضا باسم الدين ويحاول احتكاره، فما الفرق بينك وبينه سيدي الرئيس إذا كنت أنت أيضا لا تؤمن بأنّ “التديّن” علاقة ذاتية بين الخالق والمخلوق ليس لأحد أن يطّلع عليها ولسنا مطالبين بعرضها كالسلعة أو كالحِلْية في كلّ مناسبة؟ وفيم سيخدم هذا الوجه الديني من انتخبوك؟ وماذا يفعلون بدرجة تديّن الرئيس وهم يحتاجون إلى الخبز وزيت الحاكم والأمن والتلقيح ضدّ الوباء المستفحل؟
ـ تؤكّد سيدي الرئيس على صفتك المميزة بكونك “الساهر على احترام القانون” ولكنّ رسالتك تقول أشياء أخرى غير قانونية وحتى غير دستورية، إذ كيف تسمح لنفسك بأن تنتصب وصيّا على الضّمائر وعلى النوايا وتهدّد خصومك بما سيجدونه في آخرتهم من عذاب وتخوّفهم بمصيرهم “ولن يحمل معه يوم الحساب لا فقه القضاء ولا المراجع القانونية … وستشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم…”. هل هذا خطاب سياسي تحليلي عقلاني سيدي الرئيس؟ هل هذا خطاب رئيس دولة مدنية إلى رئيس حكومته؟ ولم نواجه مشاكل الدنيا بشواغل الآخرة؟ وهل تستقيم شؤون الدولة بالخطب الدينية؟ وليذهب خصومك جميعا إلى الجحيم غدا هل سيغنيك ويغنيننا جحيمهم الآتي عن جحيمنا الآني؟!
* روائية و أستاذة جامعية.
شارك رأيك