إن المارة بشارع الحبيب بورڨيبة بتونس العاصمة يدركون عظمة الماثل بينهم بهيبة المعلم و فقه المجتمعات فهو ينظر إلينا بشموخ العارف و الدارس و برفق المحقق و المقرب من مخيلة فكرية جامعه بمقولات كونية … إنه هو عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون أبو زيد ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (1332- 1406).
بقلم د. خالد الجلاصي *
اختلف المؤرخون حول مكان مولد ابن خلدون و هو على الأرجح تونسي المولد و الهوى فشب وترعرع في تونسنا الحبيبه و هو زيتوني المعارف و قد ولي الكتابة والوساطة بين الملوك في بلاد المغرب و لو كان من أهل عصرنا لكان أفضل من يمثل البلاد في سياستها الخارجية و قد انتقل إلى مصر حيث قلده السلطان برقوق قضاء المالكية، ثم استقال من منصبه وانقطع إلى التدريس والتصنيف فكانت مصنفاته من مصادر الفكر العالمي، ومن أشهرها “كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر” و أكثر أثاره المعروفه هي “المقدمة” التي أشاحت عن عظيم الأثر في ما جال من سير، في أحوال البشر من صريح الخبر، و كان العمران أهم دراسته و قد نصح من عايش عصره بالعدل، فالعدل أساس العمران لكن هل استعاض أهله و من خلفوه بما قال ؟
“إذا حللت بإيفريقية فوافق أو نافق أو ارحل عن هذا البلد”
لو سألت نفس الماره بشارع الحبيب بورڨيبة بأحوال تونس لفهمت منهم سر إصرار العلامه على مقولته الشهيره: “إذا حللت بإيفريقية فوافق أو نافق أو ارحل عن هذا البلد” ففي حال هذا المصر ما يجعلك تفهم أن الأوضاع تأرجحت بين القيادات بأهواء من ظنوا الحكم بين الناس مسرة السعاة و إرضاء لأهواء الذات فكان منهم كثير الكلام بدعوى السلام و عل الناس فقر و تهميش جعل ضعاف الحال يبحثون عن غاياتهم في أفاق أخرى فكانت الهجرة القسرية لبعض أصحاب الفكر و بعض من فشلوا في بلوغ مجالس الحكم و أتت تواريخ تفرض من منظري التاريخ الحديث من سادة الأرض و أصحاب المستقبل و آلت الأحوال إلى ما نحن فيه…
و كانت الهجرة غير الشرعيه لمن وجد فيها سبيل الهرب، من بلد لم يكن فيها من صعب العيش أمرا عجب، و ترامت الأقدار بأسماء على زمام الأمور، فباحت بما نوت من ثبور، و اختلفت في فهم ما كان من شعور، كان بين العامة أقوال صراحة تدور، و اعتلى المجالس أقل الناس حنكة في الحضور، فعم التململ في كل الأوساط، و قل من وجوه الناس الإنشراح و الانبساط، حتى كان الجهل فيهم ما ثقل عدا بالقيراط، فعل العدل مساره بين الناس، و استأثر الخمول و العزوف عن سياسة تدل حسن المراس، حد يومنا هذا فتخال صاحبنا في وقفته اليوميه على أحوال إيفريقية أو “تونسنا البيه” يعود بكل حزم إلى الأذهان، بمقولات أخرى لكم حرية استدلالها بمقارنة الأزمان، و لا أظن أن في المفكرين أصدق من عبد الرحمان، لكن بصيص الضياء يبقى على استحياء، و يبقى العمل سبيل من رد البلاء في ما جاء، على أمل محيانا و ملقانا مع تقلب الأحوال، إلى خير منها في ربوع البلاد بحسن المآل.
* طبيب و كاتب.
شارك رأيك