حزم أنصار حركة النهضة حقائبهم متوجّهين إلى العاصمة تونس وجنّدت القطارات والحافلات والسيارات لحشدهم من أجل إقامة مسيرة اليوم السبت 27 فيفري 2021 بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة النابض بالحياة دوما حتى بدون هذا التجمع الكبير المنتظر. و لكن ما محل هذه المسيرة من الإعراف و ماذا يمكن أن تقدمه للشعب التونسي وهو يمر بأعمق أمة خانقة في تاريخه الحديث ؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
أبت حركة النهضة إلا أن تقاوم من أجل تظاهرة غريبة هذه المرة، وغرابتها تكمن في سبب حدوثها هل يكون بسبب المعاناة التي يعانيها الشعب التونسي، أم بدعوة إلى استقالة الحكومة أو إقالة نواب البرلمان أو إلى حل البرلمان نفسه، أو الدعوة إلى سحب الثقة من رئيس الجمهورية، فليس لهذه المسيرة عنوان كما يبدو لذلك تأتي يتيمة وغير مفهومة في هذا الوقت بالذات التي تبدو فيه تونس تصارع من أجل القضاء على فيروس كورونا، فأين الالتزام بالتباعد الجسدي وأين الالتزام بلبس الكمامة وغيرها من الضوابط التي طالما دعا إليها الدكتور عبد اللطيف مكي أحد قياديي النهضة لما كان وزيرا للصحة في حكومة إلياس الفخفاخ، ورغم أن الأحزاب الأخرى الحليفة لها رفعت يدها وانسحبت من المسيرة قبل أن تقع وأعلنت أنها لن تشارك فيها إلا أن حزب النهضة أصرّ على إقامتها حتى مع انسحاب ائتلاف الكرامة وقلب تونس الحليفين الكبيرين للنهضة في هذا الوقت.
كثرة العدد لا تعبّر دائما أن المجتمعين على حق
أعرف كما يعرف غيري كثير من التونسيين أن النهضة لها أتباع كثيرون ومنتشرون في كامل ولايات الجمهورية وأنها قادرة على جمع الآلاف من التونسيين والتونسيات لكن كثرة العدد لا تعبّر دائما أن المجتمعين على حق وأن ما يفعلونه هو عين الصواب فقد تخطئ العين وإن كانت سليمة كما يقال، ولنا أن نطرح تساؤلات في هذا الباب نأمل أن تجيب عليها حركة النهضة، لماذا ستحشد الحركة أنصارها يوم السبت في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة؟ ما الذي ستضيفه هذه المظاهرات والمسيرات؟ هل ستغير الواقع المرير الذي تعيشه تونس اليوم؟ وأين الالتزام بالإجراءات الصحية الوقائية في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد، وغيرها من التساؤلات المشروعة في هذا الوقت.
بهرج ومسيرات وتظاهرات لا تعود على الشعب التونسي بشيء
أعتقد أن حركة النهضة اليوم تعيش عُقدة سياسيّة تحاول من خلال هذه المسيرة أن تفك طلاسمها وترفع النحس عن فشلها في السياسة طوال السنوات الماضية التي قضتها بين القصبة والبرلمان، وهي التي كانت سببًا في إنشاء دستور جديد للبلاد سُمّي بدستور 2014 واعترفت بعدئذ بعدم صلاحيته في الوقت الراهن، لأن تونس لا تحتمل أن تحكمها ثلاث رئاسات في وقت واحد، فالحقيقة أن النهضة حزب لم ينجح في السياسة رغم أن أنصاره كثيرون بل يمكن أن يكون في مقدمة الأحزاب جميعها في تونس إلا أنه لا يملك أدوات التحكم في الحُكم في تونس بل يعيش على الهامش دوما كما نرى، بهرج ومسيرات وتظاهرات لا تعود على الشعب التونسي بشيء من المنفعة، لذلك أرى أن هذه المسيرة فارغة المضمون وعبثية لا معنى لها سوى أن الحزب يعاني كما يعاني الشعب التونسي مع الفارق طبعا، وأنه يعيش الوهم لا الحقيقة، الوهم أنه الحزب الأقوى والأقدر، الوهم أنه يستطيع أن يحكم تونس بهذه الكيفية الدوغمائية.
معاناة الشعب آخر ما تفكّر فيه النهضة
وإذا كانت الأحزاب في تونس يوما علمتنا السياسة فإنها تعلّمنا أن السياسة معناها إظهار القوة فقط، حينما نغضب على منافسينا في الحُكم، نظهر قوتنا بمسيرات تجوب الشوارع وبشعارات معادية للآخر كي ينتبه أنه في خطر وأن لا مكان له في الحكم، وبالتالي فإن معاناة الشعب تبدو أنها آخر ما تفكّر فيه النهضة وآخر ما يشغلها، وأرى أن هذه المسيرة لن تزيد الطين إلا بلة ولن تزيد البركان إلا ثورانا ونخاف أن يصحبها أو تصاحبها أعمال عنف هنا وهناك بين معسكري الإسلاميين واليساريين من جديد وهو الصراع الذي يمكن أن يتأجج في أي وقت من الأوقات إذا وجد من يشعل شرارتها، فلماذا التظاهر اليوم؟ هل لإثبات القوة أم لتأزيم الوضع المتأزم أصلا أم لإشعال فتنة في البلاد، أم لزيادة معاناة شعب لا تسمع منه إلا أنّات الظلم والقهر والفقر والجوع ويطالب بحقه في الحياة مواطنا عزيزا كريما أبيا في وطنه الغالي تونس.
أنا أدعو حركة النهضة إلى إلغاء هذه المسيرة العبثية، والتوجه نحو البحث عن حلول لمشاكل تونس بطريقة أخرى، من خلال إثبات الذات في الميدان، والعمل من أجل إنهاء المعاناة، وخدمة الناس في المدينة والريف، وفي السهل والجبل، وفي كل مكان، فإنهاء معاناة المواطنين البسطاء في كل شبر من تونس أهمّ وأفضل من تجييش الشباب وبذل الأموال في القطارات والحافلات والسيارات من أجل تعكير صفو الشعب التونسي من جديد وعدم تقديم البديل.
شارك رأيك