لم تكن زيارة السيد هشام المشيشي رئيس الحكومة التونسية إلى جزيرة جربة هذا الأسبوع موفّقة حسب رأيي، لأنه خدش حياء الجربيين ومسّهم في الصميم حينما صرح بالمشاريع التي جاء من أجلها ولم يُجب على سؤال أحد الصحفيين عن مشروع جربة ولاية، واكتفى بضحكةٍ ثم ولّى وجهه إلى منطقة أخرى.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
هذه الحركة عدّها الجربيون سخرية واستهزاء واحتقارا لمطلبهم الأساس الذي يناضلون من أجل تحقيقه، وغضب الجربيون من عدم احترامه المنطقة التي وطأت قدماه عليها، وبالتالي يطالبونه اليوم بردّ الاعتبار والاعتذار وبالاستماع إلى مطالبهم المشروعة والأساسية، والجلوس إلى المواطنين وبحث ما يريدونه من خدمات، فهو وإن تحدّث في البداية عن أن السياسة معناها خدمة الناس، فقد ناقض نفسه من خلال السخرية والاستهزاء بمواطنيه في جزيرة جربة بكل صراحة ووقاحة، وعبّر عن ذلك بحركة غير لائقة تمامًا ولا تحترم من كان معه في جولته.
أهل جربة لن يغفروا لمن أثِم في حقهم
كنا نظن أن السيد رئيس الحكومة سيكون قريبا من الشعب في أي مكان، لا في الكامور وحدها ولا في العاصمة وحدها ولا في أي منطقة وحدها، هو للكلّ من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، وكل حركاته وسكناته محسوبة عليه، خاصة وهو يصرّح إلى الإعلام، كنا نعتقد أن يقول كلمة طيّبة يرفع بها معنويات الجربيين حتى ولو لم يفعل شيئا على الأرض، أما أن يقابلها باستهزاء فنقول صدق فيه القول، وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرد…
هل حسب المشيشي أن أهله في جربة سيسكتون عما بدر منه من تجاهل متعمّد تجاه قضية وطنية أساسية بالنسبة لهم؟ وهل اعتقد أن سخريته تلك لن تكلفه غاليا؟ فليعلم الجميع أن جربة جزيرة تتميّز بكرم أصحابها وإكرامهم الضيف مهما كان ومن أي مكان كان، لكن أهلها لن يغفروا لمن أثِم في حقهم، لمن انتهك حُرمتهم، لمن سلب منهم حقوقهم، لمن سخر منهم، فليعلم هؤلاء أن الجربيين فكما هم عقلاء وحكماء في تعاملهم مع الآخر قد يكونون أشدّاء بما فيه الكفاية ويعاقبون كل من تطاول عليهم، ألا يخشى المشيشي من صولة الحليم في جربة أن تنهض وتستعر وتقلب موازين القوى؟
إرحلْ، فلا حاجة لنا بزيارتكم ولا حاجة لنا بمشاريعكم…
نحن لا نريد اضطرابات ولا مظاهرات ولا مسيرات ولكن إذا اضطُررنا أن نفعل ذلك فسنفعل وعلى كل المستويات للمطالبة بالحقوق ورفع شعارات ضد من احتقرنا وتفل على عقولنا واستبلهنا واستخفّ بنا، حتى ننال حقوقنا، فمطالبُنا مشروعة، وعلى الدولة النظر فيها بتأنٍّ ودون تسرّع، وعوض أن يقول المشيشي وصلتنا الرسالة وسننظر فيها وفي كل جوانبها، ترك من سأله احتقارا وأتبعها بضحكةٍ لا تسمن ولا تغني من جوع، بل زاد الطين بلّة وتعقيدا، وصبّ الزيت على النار التي بدأت تشتعل في قلوب الجربيين الذين لن يهدأ لهم بالٌ إلا بعد أن يعتذر رئيس الحكومة علنا مما بدر منه سواء عمدا أو غير عمد، فكفانا تهميشا وكفانا تحقيرا وكفانا معاناة، فمطلب جربة ولاية هو الحل من كلّ المشاكل التي تعانيها جزيرة جربة، ومطلب جربة ولاية هو المنقذ من مشاكل البيئة والبطالة والهجرة وغيرها، لو علم المشيشي ما في قلوب الناس من غيضٍ ما ضحك ولا ابتسمَ حينما سُئل، ولكنّ ضحكته ربما ستعود عليه بنتائج عكسية.
جربة تناضل وستبقى تناضل من أجل نيل حقوقها سواء استمع إليها أم لم يستمع، وسواء بقي في الحكم أم رحل، فالقضية باقية لا تسقط أبدا حتى تتحقق واقعا، ولن يسكت الجربيون عن حقهم وسيدافعون عنه بكل الوسائل المتاحة اليوم وغدا وبعد غد، فإن كانت آذان المسؤولين صمّاء، وعيونهم عمياء، وقلوبهم غُلف، فإن الجربيين رُحماء وكُرماء وحُلماء لكنهم في الوقت نفسه أشدّاء وأصحاب حقّ، وقضية لا يتنازلون عنها مهما اشتدت بهم الخطوب وتقارعت الدروب وسيبقون على العهد دائما ما دام هناك من يطالب بها، وستبقى الأجيال جيلا بعد جيل تتحدّث عن هذه الجزيرة وسيكتب التاريخ يوما أن رئيس حكومة جاء إلى جربة زائرا فتهكّم على أصحابها بسخريّة عبر ضحكةٍ خبيثةٍ فكان ردُّهم عليه ببساطة أن إرحلْ، فلا حاجة لنا بزيارتكم ولا حاجة لنا بمشاريعكم، ولا حاجة لنا بقمة فرنكوفونية دون ترتيب البيت الجربي من جديد.
شارك رأيك