في بلاغ صادر عنه اليوم الأحد 7 مارس 2021، حذر مرصد رقابة من وقوع هيئة مكافحة الفساد في تناقض كبير و في تفصي واضح من دورها في التقصي في الملفات و احالتها للقضاء و تهربها الغريب من واجب الشفافية.
النص الكامل للبلاغ:
“هيئة مكافحة الفساد تتهرّب من مسؤوليتها في موضوع شبهات الفساد المتعلقة بالوزراء الجدد وتفتح الباب للتأويلات والتعطيل
امتنعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن مد مرصد رقابة بنسخة من الملفين الذين تم توجيههما إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بخصوص الشبهات المتعلقة بالوزراء موضوع التحوير الوزاري المصادق عليه من مجلس نواب الشعب بتاريخ 16 جانفي 2021 والذي يرفضه رئيس الجمهورية.
وبررت الهيئة رفضها الاستجابة لطلبنا بدعوى أن تلك المعطيات والتقارير “تحتوي على معطيات شخصية تخص الغير على معنى الفصلين 4 و5 من القانون الاساسي 63 لسنة 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية” وأن القانون المذكور “حجّر في فصله 47 إحالتها دون الموافقة الصريحة من المعني بالأمر بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا”. (انظر نص رد الهيئة المرفق)
وهنا سقطت الهيئة في تناقض كبير وفي تفصي واضح من دورها في التقصي في الملفات واحالتها للقضاء وتهرب غريب من واجب الشفافية وواجب احترام الحق في المعلومة للاعتبارات التالية:
1- المعطيات المتعلقة بشبهات فساد تخص مرشحين لتولي وزارات لا تدخل في باب الاستثناءات التي حددها الفصل 24 من القانون الاساسي وضيقها وربطها بإلحاق الضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتعلق بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية. وهذه الاستثناءات ليست مطلقة، بل تخضع لتقدير الضرر الجسيم الحاصل وتقدير المصلحة العامة من إعطاء المعلومة. ويؤكد المنشور 19 لرئيس الحكومة المؤرخ في 18 ماي 2018 “إذا كانت منافع اتاحة المعلومة أكبر من الضرر المتوقع فإنه يتم إتاحة المعلومة. هذا ويمكن أن تشمل المصلحة العامة من تقديم المعلومة أو عدم تقديمها على سبيل المثال الكشف عن حالات الفساد وتحسين استخدام الأموال العمومية وتعزيز المساءلة. هذا ويراعى في كل الحالات التناسب بين المصالح المراد حمايتها والغاية من مطلب النفاذ”.
2- لو كان قصد الهيئة فعلا حماية المعطيات الشخصية، لكان بامكانها فقط “حجب الجزء المعني بالاستثناء” وفقا لمقتضيات الفصل 27 من القانون الأساسي لحماية المعطيات الشخصية. كأن تقوم بفسخ رقم بطاقة التعريف والعنوان الشخصي وارقام الحسابات ان وجدت وأسماء الأبناء والقرناء وغيرها. وقد سبق أن تحصلنا على قرارات من هيئة النفاذ الى المعلومة تفرض على الهيكل الذي رفض النفاذ بدعوى المعطيات الشخصية مدنا بالوثائق المطلوبة مع حجب المعطيات الشخصية.
3- الهيئة قامت بمغالطة كبرى وخطيرة عبر تسميتها لرئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية “بالهياكل الادارية المعنية” والادعاء بأنها مستثناة من السر المهني للهيئة مثلها مثل القضاء وفقا لمقتضيات الفصل 13 من المرسوم الاطاري 120 لسنة 2011 والفصل 16 من القانون الأساسي 59 لسنة 2017 المتعلق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومحاكمة الفساد. لأن “الهيكل الاداري” المقصود في هذا الفصل هو الهيكل ذو النظر في عمليات التقصي في شبهات الفساد. وهو ما يتنافى مع الغاية من احالة ملفات الوزراء المصادق عليهم في البرلمان الى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي هي فقط الاعلام بالشبهات حول الأشخاص المعنيين.
4- الهيئة تهربت من واجبها الذي حدده الفصلان 24 و27 من القانون الاساسي 59 لسنة 2017. حيث نص الفصل الاول على تولي قسم مكافحة الفساد بالهيئة احالة الملفات موضوع التقصي الى مجلس الهيئة. ونص الفصل الثاني على تولي مجلس الهيئة البت في الملفات المحالة بالحفظ أو الاحالة على الجهات الادارية أو القضائية المختصة مع إعلام ذي الشبهة والمبلغ عن الفساد والشاهد والخبير بقرارها. علما وأن الفصل 18 من القانون عدد 10 لسنة 2018 المتعلق بحماية المبلغين حدد أجلا أقصاه شهران لاعداد تقرير نهائي حول الأعمال موضوع الابلاغات واحالته الى الجهات المعنية.
وعلى فرض أن الهيئة تدعي أن رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية تدخلان ضمن الجهات الادارية المذكورة اعلاه، وهذا خاطئ تماما، فالمفروض أن الهيئة تحيل قراراتها واستخلاصاتها النهائية لتلك الجهات. ولا تحيل معطيات قابلة للتقصي والدراسة وتفتح الباب للجدل والنزاع. كما تبين من كلام مدير ديوان رئيس الحكومة الذي قال أنهم درسوا المعطيات الواردة في تقرير الهيئة ولم يجدوا فيها شبهات واضحة، في الوقت الذي يصر فيه رئيس الجمهورية على توفر التقارير على حجج دامغة على الفساد. ولو كانت تقارير الهيئة دقيقة وصارمة كما يفترضه قانونها لما حصل ارتباك في موقف رئيس الهيئة بالاعلان طورا على تأكيد وجود شبهات مؤكدة ثم التدارك ببلاغ اعلامي لنفي ذلك.
5- وفرضا أن الهيئة ستبرر موقفها بالاستناد الى الفصل 10 من القانون الأساسي 59 لسنة 2017 الذي ينص على أن “للهيئة أن تبدي رأيها تلقائيا في كل مسألة متصلة باختصاصها وتعلم الهيئة الجهة المعنية بالرأي”، هذا التبرير لا يستقيم لأن الفصل يؤكد على الطابع التلقائي لرأي الهيئة، لا أن يكون استجابة لطلب جهة ما. ثم أن الفصل يقتضي أن تقدم الهيئة رأيا واضحا وصارما لا يفتح الباب للتأويلات.
6- الهيئة أطلقت على نفسها النار عندنا أرادت التزيد في ردها على المرصد وختمت بتأكيدها على تحجير إحالة المعطيات الشخصية دون الموافقة الصريحة للمعني بالأمر بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا طبقا للفصل 47 من القانون الاساسي 63 لسنة 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. حيث بإمكان الأشخاص المذكورين في التقارير التي أحيلت لرئاستي الجمهورية والحكومة للاعلام رفع شكاية ضدها لأنها لم تحصل على موافقتهم الكتابية قبل ذلك، وفقا لمنطق الهيئة الذي يعتبر تلك المعطيات تدخل ضمن استثناءات النفاذ.
لكل هذه الأسباب سنتوجه بتظلم لدى هيئة النفاذ ضد قرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد برفض تمكيننا من النفاذ الى ملفات الوزراء الجدد التي أحالتها لقرطاج والقصبة. ولدينا يقين بأن هيئة النفاذ ستنصفنا وتنتصر للحق كعادتها. كما سنعود الى الهيئة بطلب نفاذ جديد لوضعها أمام مسؤولياتها.
وندعو هيئة مكافحة الفساد في الختام للنأي بنفسها عن الاعتبارات السياسوية وعن اقحام نفسها في النزاعات العبثية القائمة. وعن احالة أي شبهات فساد جدية إلى القضاء دون انتظار، واعلام الرأي العام بذلك تحقيقا لمبدأ الشفافية والمساءلة والتصدي للفساد”.
شارك رأيك