شهادة كريم عبد السلام حول تفجيرات باب سويقة عام 1992 وعلاقة حركة النهضة – التي كان عضوا فيها – بالعنف هي أعمق شهادة تفصيلية وواعية حول ماضي الحركة الإسلامية التونسية و ممارساتها الإرهابية و لجوئها إلى العنف في مراحل مختلفة من تاريخها.
بقلم الدكتور عبيد خليفي *
يبدو أن شهادة كريم عبد السلام حول تفجيرات باب سويقة عام 1992 وعلاقة حركة النهضة بالعنف هي أعمق شهادة تفصيلية وواعية سمعتها حتى الآن، وهذا يجرني إلى جملة من الملاحظات المهمة : كريم عبد السلام هو صديقي منذ سنين طوال، وكان لدي شغف كبير بمعرفة ماضي حركة النهضة في علاقة بالعنف وأنا أستدرجه للحديث، لكن هذا الشغف تحوّل إلى علاقة إنسانية عميقة كشفت لي عن إنسان عظيم قادر على مكاشفة ماضيه، وقادر على قول الحقيقة مهما كانت موجعة في حقه وحق أبيه وعائلته… والأكثر في اعتذاره لعائلات الضحايا…
“المراجعات” الحقيقية هي التي تقطع مع الإسلام السياسي
كريم، بعد 13 سنة سجنا وهو طفل حدث، استطاع أن يراجع نفسه عميقا وطويلا ليحصل تعليمه ويحسن مستواه بثقافة رهيبة في التعذيب والعنف والعدالة والقانون… ليقدم شهادة قوية في مضمونها بعيدا عن مهاترات سهام بن سدرين (رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، قلم التحرير) ومقايضتها للملفات والتوازنات السياسية في عرض الشهادات، فحرمتنا كشف الحقيقة في مهمتها المشبوهة…
لطالما سمعنا وقرأنا ما يسمى “بالمراجعات” التي قام بها بعض الإسلاميين دون خروجهم من السياق الحركي بما يشبه المراوغة مع الواقع والتاريخ، وقد قالها لي كريم يوما: المراجعات الحقيقية هي التي تقطع مع الإسلام السياسي مطلقا وتغادره نهائيا، وغير ذلك هي مراوغات.
شهادة كريم عبد السلام هي المسكوت عنه في العدالة الإنتقالية، وهي المسكوت عنه في تاريخ الحركة الإسلامية في تونس، وهي حركة تقفز عن التاريخ ولا تريد الإعتراف بالأخطاء والجرائم، وتراوغ بتقديم نفسها حركة مدنية ديمقراطية ضمن السياقات المحلية والإقليمية، وتبقى فكرة “تحرير المبادرة” مرجعا لها في كل الأزمان عبر الجهاز الخاص، أو تنظيم أنصار الشريعة الرديف، أو بروابط حماية الثورة، أو بالباراشوك السياسي العنيف…
كريم عبد السلام يكشف مغالطات النهضاويين و أكاذيبهم
ماضيا وحاضرا، اتهموا كريم عبد السلام أنه جاسوس وعميل، وأنه مكلف بمهمة، وهذا ليس غريبا عن كل من يغادر الجماعة ليكشف الحقيقة، ولطالما أراد كريم عبد السلام أن يقول هذه الشهادة، لكن وسائل إعلام كثيرة خافت من شهادته، بل إن حوارا مطولا مع جريدة تدخلت حركة النهضة لعدم نشره، ونالت الجريدة مكافأة حوار الشيخ (راشد الغنوشي، قلم التحرير) ، ويبدو أن شاكر بسباس كانت له الجرأة ليمرر هذا الحوار على جزأين (في إذاعة شمس إف إم ، قلم التحرير)… ولذلك ناله ونال كريم هجوم شرس، ومحاولة لطمس هذه الشهادة بفرقعة فايسبوكية حول تسريبات سخيفة بطلها أحد صناع حركة النهضة (النائب راشد الخياري، قلم التحرير)…
بعد عشر سنوات من الثورة، ومن مسرحية العدالة الإنتقالية والأقلام المأجورة التي تلمّع ماضيا لتبني حاضرا هشا، أعتقد أن شهادة صديقي كريم عبد السلام ستكون إعلانا أن تاريخ الجماعة الإسلامية في تونس والعنف والتدافع لم تكتب بعد بعمق حقيقي كالذي يملكه كريم عبد السلام…
أخيرا… أعرف صدق كريم وذكاءه، ولسنا في باب التصديق المطلق أو التكذيب الهستيري، ولكن نحن أمام حاجة ملحة للمصارحة ثم المحاسبة ثم المصالحة… وكريم عبد السلام حاسبته الدولة بالسجن، وخرج ليصارحنا بالحقيقة التي يعتقدها، ثم اعتذر فتصالح مع ضحاياه… والأهم أنه تصالح مع نفسه…
تنويه: “الحصاد المر” هو عنوان كتاب لأيمن الظواهري في تقييم تجربة الإخوان المسلمين لستين سنة…
* أستاذ جامعي و باحث و محلل سياسي.
شارك رأيك