عقدت جمعية القضاة التونسيين الجمعة 19 مارس 2021 على خلفية الصعوبات الجمة التي يشهدها الانتقال الديمقراطي في تونس وما يستوجبه من وجود سلطة قضائية مستقلة ونزيهة وقوية تكون دعامة حقيقية لمكافحة كافة الآفات المعيقة لنجاحه ولإنفاذ القانون على الجميع وذلك لتسليط الضوء على أهم الملفات القضائية المطروحة في هذه الفترة والمرتبطة وثيقا باستحقاقات استقلال القضاء ونزاهته والمؤثرة مباشرة على أداء المؤسسة القضائية والثقة العامة في القضاء وسنخصصها للملفات التالية:
– مستجدات ملف المآخذ والشبهات المنسوبة لبعض القضاة.
– حصيلة الاتفاق المبرم مع الحكومة بتاريخ 18 ديسمبر 2020.
وسيقع إنارة الرأي العام القضائي وغير القضائي حول ما يشهده العمل على هذه الملفات من تعطيل وتوقف وانحرافات والأسباب الحقيقية لذلك مع طرح الحلول لاستئناف العمل عليها ولحسن إدارتها بما يستجيب للاستحقاقات المستعجلة والإصلاحات المستوجبة للقضاء ولاستعادة الثقة العامة فيه باعتبار أن وجود سلطة قضائية مستقلة ونزيهة وناجزه يعد من أهم عوامل الاستقرار الوطني.
أولا: مستجدات ملف المآخذ والشبهات المنسوبة لبعض القضاة
* تؤكد جمعية القضاة التونسيين متابعتها المتواصلة لمسارات المساءلة والمحاسبة في جملة القضايا المتعلقة بالمآخذ والشبهات المنسوبة لعدد من القضاة من خلال:
– مطالبة المجلس الأعلى للقضاء إثر ما وقع تداوله حول وجود شكاية وأبحاث جزائية تعلقت بالرئيس الأول لمحكمة التعقيب باتخاذ كل الإجراءات القانونية المستوجبة لتكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة(بيان 20 نوفمبر 2020)
– مطالبة النيابة العمومية بتونس وقلم التحقيق المتعهد بممارسة صلاحياتهما في كنف الحياد والتجرد لكشف الحقيقة كاملة دون توان في هذه القضية (بيان 25 جانفي 2021).
– مطالبة التفقدية العامة بوزارة العدل ووزير العدل بالإسراع في إحالة نتيجة الأبحاث حول القضايا المتعلقة بالرئيس الأول لمحكمة التعقيب ووكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس والمحالة عليها من المجلس الأعلى للقضاء منذ 24 نوفمبر 2020 دون مماطلة أو تمطيط (بيان 25 جانفي 2021).
* كما تؤكد على أن الإجراءات المتخذة بهذه الملفات إلى حد هذا التاريخ هي:
– رفع الحصانة على الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بتاريخ 24 نوفمبر من طرف مجلس القضاء العدلي 2020 وتجميد عضويته بالمجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 16 ديسمبر 2020.
– توجيه تهم الارتشاء وتبييض الأموال والتدليس على الرئيس الأول لمحكمة التعقيب في إطار القضية التحقيقية.
وهي في مجملها إجراءات احترازية وأعمال أولية لا تعد انطلاقة فعلية في مسارات المسائلة والمحاسبة خاصة مع طول الآجال التي استغرقتها أعمال التفقدية العامة وعدم بلوغ العلم إلينا وإلى الرأي العام عموما بالأعمال التحقيقية التي باشرها قاضي التحقيق المتعهد بقضية الرئيس الأول لمحكمة التعقيب منذ رفع الحصانة عنه في 24 نوفمبر 2020 لأهمية هذه القضية التي يتابعها الرأي العام إضافة إلى تفاجئ جمعية القضاة بمطالبة وزيرة العدل بالنيابة باسترجاع ملف الإحالات على مجلس التأديب يوم واحد بعد إحالته للمجلس الأعلى للقضاء بتعلة ” التصحيح الشكلي
ويهم جمعية القضاة في هذا السياق أن تبين أن:
– التفقدية مكنت من أجل أكثر من معقول لاستكمال الأبحاث والقيام بإجراءات الإحالة وتأخرت كثيرا إذ استغرقت ثلاثة أشهر كاملة بما يثير الريبة حول مطلب الاسترجاع.
– محاولة الإقناع بخطأ وزيرة العدل في الإحالات التأديبية يتعارض مع إلمامها بإجراءات الدعوى التأديبية فضلا على ما كان متاحا لها من الزمن وما وضع على ذمتها من إمكانيات وزارة العدل لإتمام أعمالها على أكمل وجه..
– بلاغ وزيرة العدل بالنيابة تضمن تهديدا مبطنا بإسقاط القرارات التأديبية عن طريق دعاوى الإلغاء في علاقة بافتعال الإخلالات في الملف..
– السعي في استرجاع تقرير الإحالة على مجلس التأديب هو إرباك لمسار المساءلة والمحاسبة والإصلاح واستعادة لأدوات التحكّم في هذا الملف من خلال السيطرة على مساره التأديبي وكذلك من خلال التأثير في المسار الجزائي بصفة الوزيرة رئيسة النيابة العمومية.
– ما أقدمت عليه وزيرة العدل تدخلا سياسيا متعمّدا في المسار التأديبي لإعاقة مسار المساءلة والمحاسبة دون سند قانوني.
ويهم جمعية القضاة أن تتوجه من خلال هذه الندوة الصحفية لكافة الأطراف المتداخلة في المسار الاجرائي للملفات المذكورة وللمؤسسات الموكول لها البت في مسارات المسائلة والمحاسبة بها بما يلي :
– مطالبة وزيرة العدل بالنيابة برفع يدها ويد السلطة التنفيذية والسياسية على أعمال المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء العدلي الموكول لهما ضمان حقوق الدفاع واختصاص البت في المسارات المهنية والتأديبية للقضاة.
– مطالبة مجلس القضاء العدلي:
بعدم التغطية على حقيقة الملفات المحالة عليه بتجنب كل تباطؤ وتمطيط في آجال البت خاصة ان حساسية المنصب الذي يشغله رئيس محكمة التعقيب لم يعد تحتمل مسارا تأديبيا حمائيا مطولا.
بالتصدي للضغوطات والاختراقات الممكنة والمحتملة بالنظر لحجم وخطورة الملف بالاعتماد على المستندات الواقعية والقانونية الثابتة في كل ملف بعيدا عن أي منطق للمقايضة بين الملفات.
بتفعيل ما يجب أن ينتهي إليه المسار التأديبي فضلا على القرارات التأديبية إلى إحالات على النيابة العمومية عند الاقتضاء ودون تأخير.
– مطالبة قاضي التحقيق المتعهد بقضية رئيس محكمة التعقيب بمباشرة أعماله في كنف الحياد والاستقلالية بعيد عن كل الضغوطات الممكنة من أي جهة كانت والعمل على إظهار الحقيقة كاملة ودون توان في هذه القضية بعيدا عن الحمائية القطاعية وذلك لتحقيق مقتضيات الإصلاح المؤسسي من داخل أجهزة السلطة القضائية وأعضائها كما يطالب إدارة المحكمة الابتدائية بتونس ومجلس القضاء العدلي بإتباع سياسة اتصالية منفتحة حول هذا الملف لإطلاع الرأي العام حول المسار الإجرائي لهذه القضية وغيرها من القضايا الهامة .
وتؤكد الجمعية مواصلة متابعة هذا الملف إلى حين استيفاء أغراض المساءلة والمحاسبة وإقرار الجزاءات المستوجبة وتطالب بمواصلة الرقابة المجتمعية الفاعلة والنزيهة والموضوعية على هذا الملف الخطير على مصير بناء دولة القانون وإصلاح القضاء من شوائب وانحرافات عدم النزاهة وعدم الاستقلالية لبعض القضاة.
كما تحذر جمعية القضاة التونسيين من أن أي تدخل سياسي في الشأن القضائي مهما كان الطرف السياسي سواء في ملفات المحاسبة المعروضة على المجلس الأعلى للقضاء أو أي ملفات قضائية منشورة أمام القضاء ، وأن هذا التدخل سيواجه من قبل الجمعية بالتصدي واتخاذ كل الإجراءات الضرورية والوسائل الممكنة لفضح هذه الممارسات عند ثبوتها.
ثانيا: حصيلة الاتفاق المبرم مع الحكومة بتاريخ 18 ديسمبر 2020
تؤكد جمعية القضاة أنه إثر الإضراب الذي نفذه القضاة العدليون والإداريون والماليون من أجل ظروف العمل الكارثية بالمحاكم إضافة إلى تعطيل ملف الإصلاح القضائي واحتجاجا على أوضاعهم الصحية والمادية المتردية وبعد انخراطها إيجابيا في مسار تحاوري طويل ومضني مع الطرف الحكومي وتحليها بروح المسؤولية الوطنية بإبرام اتفاق بتاريخ 18 ديسمبر 2022 أسس في مجمل بنوده أرضية صلبة للشروع في إصلاح حقيقي لمنظومة العدالة وتكريس مقومات سلطة قضائية مستقلة من خلال تضمنه التزام الحكومة بما يلي :
أولا : تسوية المطالب المستعجلة المتعلقة بالاستحقاقات الصحية للقضاة بالقيام بالتعقيم الدوري للمحاكم وعقد جلسة في غضون أسبوع لإعداد بروتوكول صحي تفصيلي خاصّ بالمحاكم وصرف تمويلات قدرها 2 مليون دينار لتعاونية القضاة بما يمكنها من إبرام الاتفاقيات الضرورية لضمان التكفل الصحي الأفضل للقضاة في القطاع العام والخاص ومراجعة الإطار الترتيبي المنظم لتعاونية القضاة في أجل شهرين من تاريخ إمضاء الاتفاق
ثانيا: تحسين ظروف العمل الكارثية بالمحاكم والنهوض بوضعها من خلال الترفيع في الميزانية المخصصة للقضاء العدلي والإداري والمالي بكافة مكوناتها بما يتلاءم والمعايير الدولية ووضع آليات لذلك قبل نهاية أفريل 2021 في إطار الإعداد لقانون المالية لسنة 2022 ودعم مقترح إحداث صندوق جودة العدالة وفق الصيغة التي يتم الاتفاق بخصوصها والعمل على إدراجه بقانون الماليّة
ثالثا: التعجيل بالإصلاحات الشاملة بخصوص القوانين الأساسيّة للسلطة القضائيّة وعلى رأسها النظام الأساسي الجديد والانتهاء من إعدادها في أجل أقصاه ثلاثة أشهر لإحالتها من قبل الحكومة على مجلس نواب الشعب مع طلب استعجال النظر فيها
رابعا: ضمان الأمان المالي للقضاة من خلال تيسير الخلاص الشهري لمنحة الاستمرار والصرف الفوري لفائدة القضاة المعنيين لمستحقاتهم المتخلدة بهذا العنوان وإحداث لجنة تضم الأطراف المبرمة لهذا الاتفاق لإعداد تصور في تحسين الوضع المادي للقضاة تنهي أعمالها في أجل أقصاه موفي شهر فيفري 2021 وتتوج أعمالها بإجراءات تنفيذية واضحة في قانون المالية التكميلي
تؤكد جمعية القضاة التونسيين أنها سعت بكل تيقظ وجدية إلى تنفيذ مقتضياته رغم ما لاقته من صعوبات وغياب للإرادة الحقيقية لدى الطرف الحكومي في تفعيل التزاماته وانتهاج سياسة التسويف وذلك من خلال:
– عقد اجتماع مع وزير العدل يوم الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 حول الانطلاق في تنفيذ مقتضيات الاتفاق بخصوص البنود التي تم تعهيد وزارة العدل بها
-عقد اجتماع ثاني يوم الأربعاء 23 ديسمبر 2020 مع وزير العدل للتداول في النقاط المتعلقة بإحداث اللجان المكلفة بصياغة القوانين الأساسية للسلطة القضائية والنصوص التشريعية والترتيبية لكل من تعاونية القضاة وديوان مساكن القضاة وقد تم الاتفاق على أسماء رؤساء اللجان المذكورة على أن يتم الشروع في أعمالها خلال أسبوع.
– البقاء في متابعة يومية لمسألة تعقيم كافة المحاكم والمؤسسات القضائية.
-عقد اجتماع مع رئيس ديوان وزير العدل يوم الخميس 07 جانفي 2021 بخصوص إصدار المقررات الخاصة بتركيبة اللجنة الخاصة باستكمال القوانين الأساسية للسلطة القضائية وإحداث اللجان الخاصة بكل من تعاونية القضاة وديوان مساكن القضاة أين تم التأكيد من طرف وزارة العدل على أنه سيقع إصدار مقررات إحداث اللجان في ظرف أسبوع وعقد جلسة إعداد البروتوكول الصحي الخاص بالمحاكم بعد التنسيق مع وزارة الصحة في نفس الأجل.
-عقد جلسة عمل مع مجلس إدارة تعاونيّة القضاة يوم الخميس 25 فيفري 2021 أكد خلالها أعضاء مجلس الإدارة أنّهم بصدد العمل على إبرام مجموعة من الاتفاقيات مع الهياكل الصحية في كل من القطاع العام والقطاع الخاص من أجل ضمان التغطية الصحية المثلى للقضاة.
إلا أن كل هذه المجهودات المبذولة من جمعية القضاة لتفعيل مقتضيات الاتفاق وخاصة الاستحقاقات المستعجلة منها جوبهت بتعطيل وانقطاع المتابعة غير مبررين سواء على مستوى الحكومة أو وزارة العدل رغم اقتران كافة النقاط المشمولة بالاتفاق بآجال معينة تكون بموفى هذا الشهر قد انقضت جميعها دون إنجاز يذكر رغم التزام الطرف الحكومي بها وتعهده بتذليل كافة الصعوبات التي تحول دون احترامها.
وتؤكد جمعية القضاة أنها سعت رغم هذا الانقطاع منذ أخر لقاء بالسلطة التنفيذية بتاريخ 07 جانفي 2021 إلى الاتصال برئيس الحكومة من خلال توجيه أربع مذكرات ومطالب لقاء كما حاولت الالتقاء بوزير العدل السابق ووزيرة العدل بالنيابة الحالية بتوجيه أربعة مطالب لقاء ظلت جميعها دون إجابة الى حدود 16 مارس 2021 تاريخ تلقيه دعوة من رئاسة الحكومة تضمنت ” متابعة المسائل المتعلقة بالسلطة القضائية والتي كانت محل نقاش على مستوى رئاسة الحكومة بقصر الحكومة بالقصبة “
وتعلم جمعية القضاة أنه باستجابتها لتلك الدعوة بتاريخ اليوم 17 مارس 2021 تفاجأ الوفد الذي توجه بأن اللقاء لم يكن وفق نص الدعوة وليس مع رئيس الحكومة وإنما مع الوزيرة المعتمدة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وبمقر وزارة الوظيفة العمومية للتداول بصفتها تلك في القوانين الأساسية.
ويهم الجمعية أن تؤكد في هذا الصدد أن ما حصل لا يحترم قواعد العمل مع الهياكل كما يمثل فرضا وتدخلا في شكل العلاقة وطريقة التعامل بين الهياكل الممثلة للقضاة والسلطة التنفيذية وأن الإطار المقترح للعمل على القوانين الأساسية بإشراف وزارة الوظيفة العمومية قد تم رفضه سابقا من جمعية القضاة عند لقائها برئيس الحكومة بتاريخ 23 نوفمبر 2020 باعتباره يتعارض كليا مع ضمانات استقلالية السلطة القضائية وأن الاقتصار على طرح نقطة واحدة من الاتفاق دون بقية النقاط المستعجلة فيه تهميش لاستحقاقات تركيز سلطة قضائية مستقلة .
ونظرا لما تم بيانه تعبر جمعية القضاة التونسيين عن استيائها من طريقة تعاطي الحكومة الحالية مع ملف الإصلاح القضائي وتحذر من أي أعمال غير معلنة حول الإصلاحات العميقة للسلطة القضائية والمتعلقة بالقوانين الأساسية .
وتدعو جمعية القضاة التونسيين رئيس الحكومة إلى تحمل مسؤوليته في حلحلة الأوضاع المتأزمة لمرفق العدالة وتفعيل الاتفاق المبرم مع جمعية القضاة التونسيين وعدم التأخير في تركيز مسار العمل الجدي لاستكمال الاستحقاقات المشروعة للقضاء والقضاة .
وأخيرا تؤكد الجمعية أنه وباستيفاء الحيز الزمني المخصص لتنفيذ الاتفاق المبرم مع الحكومة ومع تواصل تعطيل تنفيذه من قبل رئيس الحكومة ووزيرة العدل بالنيابة ، فإنها ستتولى التباحث في نطاق هياكلها في جميع الخطوات والآليات التي يمكن اللجوء إليها في المرحلة القادمة.
شارك رأيك