زار الرئيس التونسي السيد قيس سعيد هذا الأسبوع ليبيا وهو الزعيم العربي الأول الذي زار هذا البلد بعد تعيين المجلس الرئاسي برئاسة السيد محمد يونس المنفي وتعيين الحكومة الليبية برئاسة عبد الحميد دبيبة وأداء قسم اليمين ونيل الثقة من البرلمان، وبعد أن هدأ صوت المدافع والرشاشات والقنابل، وبعد أن انتهى الخلاف الليبي الليبي بمجهودات كبيرة آخرها ما أشرفت عليه الأمم المتحدة من جولات مكوكية بين تونس، البلد الذي استقبل الحوار الليبي الليبي، وجنيف التي استقبلت الوفود الليبية واتفقت على صيغة للتقارب وإنهاء النزاع المسلح الذي دمر البلاد بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011 ودخلت على إثره ليبيا في دوامة من العنف الرهيب استغلها تنظيم داعش ونشر صفوفه لبث الرعب والخوف في نفوس الليبيين وإشاعة الانقسام بين قسمي الشرق والغرب.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
ورغم أن الحرب كانت قائمة بين الحكومة الشرعية التي يترأسها فايز السراج في الغرب، والجنرال خليفة حفتر الذي يتزعم الفصائل المسلحة في الشرق لم تُفضِ هذه الحرب إلا لمزيد من الدمار والمعاناة على جميع المستويات هذا بالإضافة إلى الانقسام الكبير بين المناطق الذي تغذيه المليشيات على اختلاف أنواعها وفصائلها، فعاش الشعب الليبي نارها وذاق مرارتها طوال عقد من الزمان، ولم يعرف الأمن والأمان كل تلك الفترة حتى جاء الاتفاق فكان البلسم الشافي لكل المشكلات التي يعانيها الليبيون على المستويات كافة.
هل يكون الإتفاق الأخير البلسم الشافي لكل المشكلات التي يعانيها الليبيون ؟
أتت زيارة فخامة الرئيس التونسي السيد قيس سعيد إلى ليبيا في هذا الإطار لتكون دعما معنويا كبيرا للأشقاء في ليبيا لا سيما وأنه تعهد منذ قبل توليه رئاسة تونس بأنه سيعمل على إيجاد طرق وسبل للحوار الليبي الليبي معتقدا وموقنا أن حل هذا الصراع لا يكون إلا من خلال الليبيين أنفسهم، فلا بد أن يجلسوا إلى طاولة واحدة ويغلّبوا العقل والحكمة ومصلحة البلاد على أي مصلحة أخرى ليهدأ صوت المدافع وينشغل الليبيون ببناء بلادهم من جديد لا سيما وأن ليبيا تملك من المقومات والإمكانات ما يجعلها قوّة في شمال افريقيا.
هذه الزيارة كانت تعبيرا قويا وعلى أعلى مستوى على تضامن تونس قيادة وشعبا مع ليبيا قيادةً وشعبًا، وهي البلد التي آوت الليبيين في أيام المحنة وأيام الحرب الأولى حينما كانت ليبيا تشتعل من الداخل، وكانت تونس تضع جميع إمكاناتها من أجل مساعدة الشعب الليبي من حيث إخلاء بعض المنازل واستضافتهم وعلاج الجرحى والمرضى ممن تأثروا في الحرب وغيرها من المساعدات التي قامت بها تونس في تلك الفترة حسب إمكاناتها، لأنها تعتبر ليبيا دولة شقيقة وجارة ولها علاقات تاريخية وقوية على مدى الأزمان.
إعادة الدفء إلى العلاقات التونسية الليبية
كما أسهمت زيارة الرئيس التونسي إلى ليبيا في تعزيز العلاقات التونسية الليبية وتقويتها، إذ تعد ليبيا البوابة الرئيسة والمنفذ التجاري الكبير لتونس حيث كان يعمل الآلاف من التونيسيين فيها قبل الحرب، وها هي الفرصة مواتية اليوم لإعادة الدفء إلى هذه العلاقات وعلى أعلى مستوى لضخ العمالة التونسية في السوق الليبية وإحياء المشاريع الكبرى في دولة تملك من الإمكانات ما يتحقق على الأرض ما يصبو إليه الشعب الليبي، ونعلم جميعا أن ليبيا لها قدرات وإمكانات وموارد تؤهلها للخروج من الأزمة بسلام رغم أن ذلك قد يأخذ وقتا طويلا، ولكن بعزيمة أبنائها وتضافر جهود أشقائها يُمكنها أن تنهض من جديد وأقوى مما كانت عليه من قبل.
هذه الأسبقية التي أحدثها الرئيس التونسي استقبلها الليبيون بحفاوة كبيرة كما استقبلهم هو في قصر قرطاج منذ أن تولى رئاسة الجمهورية ووعدهم حينها بأنه سيعمل من أجل توحيد الليبيين وإعمار بلادهم، وقد حدث هذا بالفعل حينما استقبلت تونس الحوار الليبي الليبي الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة وأصرّت على خروج ليبيا من النفق المظلم وإقناع جميع الأطراف بأن الوقت قد حان للعمل سويا ومن أجل أن ترقى ليبيا إلى ما هو أفضل ولن تكون لقمة سائغة في أيدي مليشيات هنا وهناك بل عليها أن تبني دولة من الأساس وجيشا قويّا متماسكا ينافح عن البلاد برمتها، وشعبًا يتوق إلى حياة كريمة وجيلا يتمنى أن يكون مستقبله داخل ليبيا لا خارجها ليخدم بلده بكل فخر واعتزاز.
شعب يتوق إلى حياة كريمة وجيل يتمنى أن يكون مستقبله داخل ليبيا
هي زيارة نوعيّة بلا شك جاءت في وقتها لتصنع الفارق في العلاقات التونسية الليبية التي كانت في أحسن أحوالها وتدهورت بفعل الحرب المدمرة وها هي اليوم تعود إلى مجدها بإذن الله تعالى بعد أن وضع السيد قيس سعيد بصمة الرجوع من جديد على جبهة هذا البلد العزيز والانطلاق نحو البناء والتشييد، نحو ليبيا حرة وصاعدة دوما بفضل الله عليها أولا ثم بفضل سواعد أبنائها الكرام الذين يشمّون رائحة الحرية والديمقراطية والبناء من جديد رغم الصعوبات والعراقيل، ويمكن أن تبعث هذه الزيارة و قد أراد من خلالها الرئيس التونسي أن يرسل رسالة قوية إلى الخصوم السياسيين في تونس بأن الحوار هو السبيل الوحيد الذي يجمع التونسيين، وأن هذا التهريج الذي نراه اليوم وبين الفينة والأخرى لا ينفع من قريب أو من بعيد. وأن على التونسيين أن يتوحّدوا من جديد لبناء وطنهم وخدمة شعبهم، وغير ذلك هو عبثٌ بمقدرات الدولة وذهاب إلى الانهيار التام.
شارك رأيك