من وحي حادثة تعنيف النائب النهضاوي ناجي الجمل لنائبة الحزب الدستوري الحر زينب السفاري في مجلس نواب الشعب يوم الخميس 18 مارس 2021.
بقلم لزهر الضاوي *
قال له معز بن غربية وهو يجادله “تأمل جيدا الفيديو سيدي الجمل… إنه يظهر بجلاء كيف كنت تضربها… أنظر… إنك تعنفها”… لكن الجمل أنكر و” تعلّص” / على شيْبته و”ورعه” و”هروبه لجهة ربي” و “أدائه للصلوات الخمس” و”صومه رمضان”… ولربما “اعتماره أوحجه للبيت الحرام” …
أنكر الجمل بل وأمعن في الإنكار … ولربما كان سيقسم على المصحف لو طُلِب منه ذلك …
جلست مبهوتا أمام التلفاز أتثبت وأتفرس مليّا وفي عينيّ “الفار(var )” كي لا أظلم أحدا… في البداية انتابتني شحنة من “التعاطف” معه… وطرحت كل “حقدي الايديولوجي” جانبا… قلّبت الصورة عديد المرات … لكن الصورة لا تكذب… الصورة تظهر بجلاء كيف كان ” يُزنزفها”… وأصوات كانت تترجاه “لا… لا… لا…” وهو لا يأبه بها…
ومن الجانب الآخر كان معز بن غربية من على بعد مئات الكيلومترات مني يستعطفه هو الآخر كي يقر بما فعل… لكن… “شيْ… زايد… نينْتي”… بل “كيكص” الجمل و زاد إنكارا على إنكار… وغابت الصورة كمدًا وانسحبت من الشاشة وتفوّق كذب الجمل ولم يعترف إلا برمي “الجوال” على أرضية المجلس… وارتفعت راية الكذب عاليا وهي ترفرف خفاقة في سماء إفريقيّة تحت أنظار عقبة بن نافع و موسى بن نصير…
بصراحة هالني هذا المشهد المُخزي وانزويت جانبا لأقيّم الأمور بكل نزاهة وتجرد… وساءلت نفسي ما الذي كنت سأفعله أنا لو تجرأ أي كان على أن يشهر هاتفه ليصورني دون إذن مني … وبسرعة صعد الدم إلى شرايين رأسي واربدّت السماء في عيني… وتخيلت نفسي أركض نحو من استفزني بهكذا فجاجة وانتزعت منه الهاتف وهشمته وأعدت تهشيم ما هشمته… ثم اتجهت الى صاحبه ولربما لطمته… فما الفرق بيني وبين الجمل إذن؟ لا شيء… لا شيء… أنا أيضا “جمل” آخر… لربما…
لكن رويْدكم قليلا… سادتي الكرام أمهلوني حتى أوضح لكم ما الفرق بيني وبين الجمل… في الليل حين يتصل بي معز بن غربية ويطرح عليّ نفس السؤال… كنت سأجيببه بلا تردد ولا مواربة : “نعم… نعم… نعم… هشمت هاتفها… نعم… نعم… نعم… ضربتها…عنفتها…واللي ما عجبوش يمشي يشكي للعروي”! وهي عبارة قديمة حفظناها منذ سني الطفولة الأولى… فمن يقوم بفعلٍ عليه تحمل تبعاته حتى النهاية…
لكن الجمل لم يكن مثلي كما ترون بل فضل الإرتماء في أحضان الكذب والانكار… آه يا جمل… آه… لو قلتَ كلاما كهذا لكنت جنيت بعض الاحترام “لشجاعتك” وتحملك لمسؤولية ما أتته يداك أو لربما قل رجلاك… لكنك جبنت عن قول الحقيقة وعانقت أحابيل الكذب التي رضعتموها من كبيركم… ولقد أدركت حقيقتكم منذ كنت في الجامعة وما زلت أذكر في رحلة طلابية لمدينة قابس سنة 1977 يوم كدتم تقتلونني بعد ان اتهمتموني زورا وبهتانا بضرب أحد “إخوانكم” الذي كان أنفه ينزف دما… و”استحلفته بالقرآن” على أن يقول الحقيقة إن كنت أنا من ضربته… فوقف بكل بجاحة وقال: “أقسم بالله العظيم كان انت اللي ضربتني”… ومن يومها صرت أميز بين “المسلم” و”المتأسلم” وأدركت جيدا أن الكذب والتزييف هو صفة لا تنفصل عما يسمى ب “الإسلام السياسي” وملازمة له كظله… ولنا في”جملنا”هذا (كما شهدتم) خير دليل على ذلك…
قال الراوي : “وأنهى ابن غربية برنامجه في ساعة متأخرة من الليل… وحين عاد إلى البيت وأوى إلى فراشه لم يرقد له جفن وبات يتقلب في سريره… لأن صورة “الجمل” وهو يدهس “الناقة” لم تفارق مخيلته حتى الصباح… أما أنا الذي خبرت كذبهم وبهتانهم منذ الأزل أيام كانوا يضعون اليد في اليد مع أسلاف “الناقة” الأوائل / طيّب الله ثراهم”… فلا بد لي أن أعترف بشيء من الرضاء الذي انتابني وأنا أصعد الدرج لآوي الى غرفة نومي ووجدتني دون شعور أدندن وأتغنى بموال قديم لصباح فخري و وأردد وأقول… “ناديت لا حملت رجلاك يا جمل… ناديت لا حملت رجلاك ياجمل”…
* شاعر و كاتب.
شارك رأيك