قادة حزب النهضة الإسلامي يستكون دوما من القوى الإستئصالية التي ترفض التعامل مع الإسلام السياسي كاهرة قائمة في المجتمعات العربية لكن هناك أيضا استئصالية إسلاموية ضد المختلفين عن الإسلاميين. وهي موضوع هذه التدوينة…
بقلم طارق الكحلاوي *
الاستئصالية ضد الإسلام السياسي كانت أحد أهم خصائص النظام الاستبدادي لبن علي. وكانت أيضا ذريعة لممارسة الهيمنة، ولاتزال كذلك حتى الآن وهو “مشروع” عبير موسي مثلا. كنت من بين من وقف ضد ذلك في أصعب وقت، العشرية السوداء سنوات التسعين عندما كان للرفض وللكلمة معنى، ودفعنا ثمن ذلك باهظا. وتم وسمنا بأننا “خوانجية” لرفضنا ذلك، حين كان بعض الإسلاميين حتى يتبرؤون من تهمة “الانتماء”.
الاستئصال ضد الإسلاميين أصبح تهمة جاهزة لأي اختلاف
في المقابل هناك إسلاميون أيضا يمارسون الاستئصالية ضد خصومهم. لا أتحدث هنا فقط عن حركات التطرف “الجهادي” الإرهابية الصريحة في تكفيريتها. بل أتحدث أيضا عن بعض قيادات وبعض جمهور الاسلام السياسي الذي قبل مبدئيا الانخراط في المنظومة الديمقراطية.
هنا يصبح اي نقد واي اختلاف مناسبة لنعت المختلفين بأنهم “يسار” على أساس أنها شتيمة وتستبطن معاني معادية للهوية. وعلى أساس أن أي نقد ومجرد الاختلاف في السياسات والتقدير “حقد أيديولوجي”. ويصبح الاستئصال ضد الإسلاميين التهمة الجاهزة ايضا لأي اختلاف. هنا نحن بصدد تكفير مستتر.
هذا ما حصل مثلا مع غازي الشواشي. عندما رأى بعضهم مصلحة في استقالته تم تدبيج قصائد مدحية في اعتداله وعقلانيته. وعندما تراجع عن الاستقالة قام أحد البيادق الرديئين بالنبش في الماضي وتشويه تصريحاته وتصويره ككافر مرتد.
الإسلاميون يعتبرون الاختلاف الخط الفاصل بين الجنة والنار
بعض الإسلاميين يعتبرون أنفسهم، تنظيماتهم وذواتهم، الحق. في حين الحق يعرف بالحق وليس بمن يتسمون به. لنأخذ مثلا. الطريف هنا أنك كنت وستبقى ضد مثلا نموذج السياسة كما يمثلها نبيل القروي. اذا توافق ذلك مع مصالح وسياسات الإسلاميين تكون “سياسيا جيدا”. إذا تغير موقفهم واقتضت مصالحهم تبييض القروي، تصبح عدوا.
والأطرف أنت “المتلون” وليسوا هم، بل أنت “ثورة مضادة” أن تمسكت بموقفك من نموذج القروي في السياسة!! وتصبح مجرد “لاهث من أجل السلطة”. أنت “مرتزق” مادمت ضدهم. يعتبرون الاختلاف وليس حتى الخصومة الخط الفاصل بين الجنة والنار. وبهذا تتوسع تدريجيا دائرة خصومهم وحتى أعدائهم، وتضيق دائرة الأصدقاء إلى حلقة تبريرية سطحية بائسة.
هناك مصلحة مشتركة بين الاسلاميين وبقية الحساسيات المؤمنة بالمشترك الديمقراطي لعزل ونبذ الاستئصاليين من الجانبين. وعدم التستر عليهم بداعي التكتيك والصداقات. ونبذ الاستئصالية لا يجب أن يطمس الاختلاف والتعارض. هناك خيط رفيع لكن ضروري بينهما.
* المدير السابق للمركز التونسي للدراسات الاستراتيجية.
شارك رأيك