بعد انتظار وترقب ومتابعة دقيقة للاوضاع الساخنة التي شهدتها الساحة الأردنية في الساعات والأيام القليلة الماضية، بدأت ملامح المؤامرة تتضح شيئا فشيئا، وتتجلى أمام الجميع في لوحة فسيفسائية متكاملة إطارها العام تركيع الملك عبدالله الثاني بن الحسين والنيل من صمود الأردن الشقيق بشكل مباشر، والنيل من صمود القيادة الفلسطينية بشكل غير مباشر.
بقلم علي أبو نجيم *
كشف الأمن الاردني عن مؤامرة خطيرة، وقفت خلفها قوى إقليمية، في اشارة إلى إسرائيل والإمارات، وسعت لتنفيذها بأدوات محلية وخارجية، وقامت قوى الأمن الأردنية بالإحاطة بخيوط القضية وإلقاء القبض على المتورطين محليا، في مقدمتهم الشريف حسن بن زيد ورئيس الديوان الملكي الاسبق باسم ابراهيم عوض الله وعدد من زعماء العشائر الأردنية، وتم وضع الأمير حمزة بن الحسين قيد الإقامة الجبرية في قصره في العاصمة عمان.
المستهدف الرئيسي المباشر كان الملك عبدالله الثاني لمواقفه المتصلبة و الراسخة في رفض التعاطي مع صفقة القرن والوقوف في وجه الرئيس دونالد ترامب في رفض السيادة الاسرائيلية على القدس ورفض التنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات في المدينة، وقد كرر هذا الموقف في كل مناسبة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
أما المستهدف بشكل غير مباشر فهي مدينة القدس والقيادة الفلسطينية. القدس مستهدفة من خلال المساعي الخليجية لسحب الوصاية الهاشمية عنها ونقلها للسعودية لتمرير صفقة القرن، وهو ما أدى إلى توتر في العلاقات بين الأردن والسعودية، في المقابل بدأت الإمارات بالعمل على شراء منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة، في البلدة القديمة وسلوان وعين حلوة، لصالح تسريبها للجمعيات الاستيطانية الصهيونية بأدوات فلسطينية.
“لا لترامب ولا لصفعة القرن”
استهداف القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس جاءت بعد أن صمدت هذه القيادة امام كل المغريات والتهديدات، وقالها رئيسها محمود عباس بأعلى الصوت “لا لترامب ولا لصفعة القرن”، فصمدت وحوصرت ماليًا وسياسيًا، ولم يبقى سندا لها سوى الأردن، و بالتالي فإن الانقلاب ــ إن تحقق ــ يأتي بمن يوافق على تلك المشاريع التصفوية ويعمل على المزيد من التضييق والحصار على القيادة الفلسطينية ويحرمها من الحليف الوحيد في مواجهة مؤامرات التصفية.
ذمصادر أمنية أردنية حملت ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد ومستشاره محمد دحلان ومن معهم بالتورط في محاولة الانقلاب في الأردن، وذكرت أن رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله كان على صلة بمسؤولين إماراتيين ومستشارين لهم بمحاولة الانقلاب في الأردن ضد الملك عبد الله وتربطه علاقة قوية بدحلان، وتربطه علاقة أيضا بالبروفيسور سري نسيبه حليف دحلان في انتخابات المجلس التشريعي، وهو متهم بتسريب أراضي في القدس من خلال علاقته بمجلس القدس للتطوير والتنمية الذي يرأسه سري نسيبة، الإسم الثاني في قائمة دحلان الانتخابية، عبر استغلال المجلس في شراء العقارات وتسريبها.
وتشير التقارير الى قوة العلاقة التي تربط عائلة نسيبة بحكام الإمارات، التي هي أقدم وأقوى من علاقة دحلان بكثير. شقيق سري وهو زكي نسيبه يعتبر من مؤسسي دولة الإمارات وتولى عدة مناصب وزارية وحكومية فيها، وحاليا يشغل منصب رئيس جامعة الإمارات العربية المتحدة. وقبل توليه هذا المنصب، شغل منصب وزير دولة في حكومتها 2017-2021، وأسس مكتب الدبلوماسية الثقافية والعامة في وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية عندما شغل منصب وزير خارجيتها، وقام بتعيين باسم عوض الله عضوا في المكتب بدعم وتوصية من سري.
كما وتشغل لانا زكي نسيبة، ابنة شقيق سري، منصب المندوبة الدائمة للإمارات في الأمم المتحدة حاليًا، وكانت حاضرة في الاحتفال باتفاقية التطبيع الإسرائيلية الإماراتية في نيويورك.
سري خسر مكانته السياسية والاقتصادية والعلمية وأصبح مهمشا في القدسن، لذا كان أفضل الطرق لعودته الى المسرح الفلسطيني يأتي عن طريق الإمارات باستخدام دحلان لهذا الغرض، حتى أن كثير من المحللين والمتابعين للشأن الفلسطيني والعربي والاقليمي يرجحون أن اختيار البروفيسور سري نسيبة في قائمة دحلان لم يكن اختيار دحلان وحده، وإنما جاءت بتعليمات إماراتية وتوصيات إسرائيلية أمريكية. ونسيبة يرأس مجلس القدس للتطوير والتنمية الممول من الإمارات، أهداف المركز تحمل شعارات براقة لها علاقة بصمود القدس، لكنها في الباطن تتمثل بالسعي لشراء ولاء المقدسيين وذممهم في معركة صراع النفوذ في القدس مع تركيا وقطر والأردن والسعودية، ودارت حولها الاتهامات بشراء الأراضي والعقارات من المقدسيين لصالح إسرائيل، وبتواطؤ مع دحلان، وفق تقارير إسرائيلية كثيرة منها تقرير يوني بن مناحيم.
سعي لنقل رعاية المسجد الأقصى وأوقاف القدس من الوصاية الهاشمية للوصاية السعودية
كما أن التقارير من العاصمة الأردنية تشير إلى أن ابراهيم عوض الله، حلقة الوصل بين أقطاب المؤامرة التي استهدفت الأردن، تدور حوله الاتهامات بتسريب أراضي في القدس من خلال علاقته بمجلس القدس للتطوير والتنمية الذي يرأسه سري نسيبة الإسم الثاني في قائمة دحلان الانتخابية، وارتباطها مع بنيامين نتنياهو من أجل إضعاف الدور الهاشمي في المدينة المقدسة، وكان من أشد المتحمسين والداعين إلى نقل رعاية المسجد الأقصى وأوقاف القدس من الوصاية الهاشمية للوصاية السعودية.
وتؤكد التحقيقات أيضا على أن الأردن سيتخذ إجراءات أمنية في القريب العاجل بعد انتهاء التحقيقات وستخضع نسيبة ومن معه إلى إجراءات أمنية قاسية قد تصل إلى مطالبة الانتربول بتسليم نسيبة ومن معه للأردن.
الأجهزة الأمنية الاردنية رصدت اتصالات بين باسم عوض الله ومسؤولين إماراتيين قبيل محاولة الانقلاب في الأردن، من ضمنهم اتصالاته مع محمد دحلان، فتم فرض قيود على حسابات دحلان المصرفية في عمان وستقوم الأجهزة الأمنية الأردنية بمتابعة أنشطته في المملكة وحصرها وعلاقات تلك الأنشطة بالقدس وشخصيات من القدس. وبعد انكشاف خيوط اللعبة وخشية على أنشطته ومشاريعه في الأردن غرد دحلان على تويتر بأن سلامة الأردن الحبيب واستقراره تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمين ضرورة قومية للأمة العربية، ومن يحاول استهداف أمن وسلامة الأردن الشقيق إنما يستهدف فلسطين، ومن ينصر الأردن إنما ينصر فلسطين.
محمد دحلان الأداة الرئيسية في تنفيذ المخطط الانقلابي
وتفيد التقارير أيضا بأن محمد دحلان، الوكيل الحصري لولي العهد الاماراتي، كان الأداة الرئيسية في التنفيذ لهذا المخطط الذي يسعى لتركيع الاردن وفلسطين لقبول المخططات الاستسلامية والتصفوية للقضية الفلسطينية وشطب القدس من المعادلة، وجاء ذلك من خلال ما تناقلته مصادر في الأردن عن عمق علاقاته مع باسم عوض الله وسري نسيبة ومجلس القدس، وعن قيام دحلان بضخ أموال طائلة لبعض العشائر الاردنية عبر خالد إسلام وباسم عوض الله، ولعدد من المواقع الإعلامية التي أنشأها في الأردن لإثارة البلبلة وتهييج الشارع الأردني ضد الملك لدعم الانقلاب عند حدوثه، وقد سبق ذلك قيام دحلان بتقديم معونات وخدمات اجتماعية لعدد من المخيمات الفلسطينية في الأردن ودعم عددا من أعضاء مجلس النواب ليكونوا جيشا له وادوات لتنفيذ أي مخططات له على الأراضي الاردنية.
وقد بات واضحا ان أهم من يعيق تنفيذ صفقة القرن هي الأردن ممثلة بالمواقف الصلبة والمبادىء التي يؤمن بها جلالته، لهذا فإن حجم المؤامرة والاستهداف كبيرة تجاه الأردن ومليكه المفدى. ويبدو أن استهداف القيادة الفلسطينية و الرئيس محمود عباس لم تنتهي برحيل الرئيس الامريكي دونالد ترامب، ويبدو بكل وضوح ان المحاولات لاستبدال القيادة الفلسطينية بشخصيات فلسطينية ما زالت قائمة في أدمغة البعض لتمرير مخططات ترامب ــ كوشنير ــ نتنياهو لإنهاء القضية الفلسطينية، وما زالت أدوات كوشنير ووكلائه في المنطقة فاعلة تجاه الرئيس محمود عباس نتيجة هزيمتها الساحقة أمام صموده وصلابة موقفه المتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية.
في العام 2016 اعتبر المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هرئيل أن دولة الاحتلال تسعى إلى تنصيب دحلان رئيسا للسلطة الفلسطينية في رام الله، وفي مرحلة قادمة رئيسا أيضا على القطاع بعد تقويض سلطة حماس هناك أو بعد الوصول الى تفاهمات بين دحلان وحماس، وما حصل في الاونة الأخيرة لهو دليل على صحة ما يقول المحلل الإسرائيلي لقناعته بأن إسرائيل غير معنية بإنهاء حكم حماس على الأرض في القطاع، فكانت التفاهمات بديلا لها، بحيث كانت صيغة الإتفاق مشاركة حماس في هيئة التكافل وعودة أنصار دحلان إلى غزة مقابل ان يتولى دحلان السياسة بينما تحكم حماس الأرض.
لن تنتهي المؤامرات ولن تتوقف، وستظل القدس في دائرة الخطر. ومن أجل الحفاظ على أقدس مقدساتنا زهرة المدائن وعاصمة السماء ستبقى العلاقات الفلسطينية الأردنية الضامن والحاجز امام تغول الاعداء من الغرب والشرق وستسقط كل المؤامرات، وستبقى القيادة الهاشمية ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني والقيادة الفلسطينية الممثلة بفخامة الرئيس محمود عباس المتمسك بالثوابت، التي أرساها الرمز ياسر عرفات وسالت لأجلها الدماء وسقط لأجلها الشهداء والجرجى، سيبقون الحراس الأمناء حتى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعلى شعبنا الفلسطيني والأردني إدراك الغث من السمين، فمن يعمل على تسريب عقارات القدس والتفريط في المسجد الأقصى يجب ان يكون مصيره الى مزابل التاريخ.
* فلسطيني مقيم في لبنان.
شارك رأيك